تشهد المملكة الأردنية الهاشمية انتشارًا مقلقًا لممارسة “تأجير الشهادات” الطبية، حيث يتبادل الأطباء والصيادلة أحيانًا أسماءهم ومؤهلاتهم مقابل مبالغ مالية شهرية. كشفت تحقيقات صحفية عن وجود مجموعات سرية تناقش تفاصيل هذه الممارسة، بما في ذلك تكاليف التأجير والتخصصات الأكثر طلبًا في السوق، مما يشير إلى تحول هذه الظاهرة إلى تجارة منظمة داخل القطاع الصحي.

تزايدت هذه الممارسة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مدفوعةً بالضغوط الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين الجدد، بالإضافة إلى تعقيدات الحصول على تراخيص لمزاولة المهنة. ووفقًا لمصادر في نقابة الأطباء، فإن هذه الظاهرة تهدد سلامة المرضى وجودة الخدمات الطبية المقدمة لهم. وتثير المخاوف بشأن الرقابة والإشراف على من يمارسون المهنة تحت أسماء مستأجرة.

تأجير الشهادات الطبية في الأردن: سوق موازية تتشكل

لم يعد تأجير الشهادات مجرد حالات فردية نادرة، بل أصبح يشكل سوقًا موازية داخل القطاع الصحي الأردني. يعرض فيها الأطباء والصيادلة أسماءهم وتراخيصهم مقابل بدل مالي شهري، بينما يستفيد المستثمرون من الحصول على تراخيص لمراكز وعيادات طبية دون تحمل المسؤولية المهنية الكاملة. هذا الوضع يضع علامة استفهام كبيرة حول مدى التزام هؤلاء المستثمرين بمعايير الجودة والسلامة في تقديم الخدمات الطبية.

أسباب انتشار الظاهرة

يعود انتشار هذه الممارسة إلى عدة أسباب، تشمل صعوبة الحصول على موافقات لفتح مراكز طبية جديدة، وارتفاع تكاليف التشغيل، وتأخر إجراءات التوظيف في القطاع العام. بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن النظام القانوني الحالي لا يمثل رادعًا كافيًا للمتورطين في هذه الممارسات، مما يشجع على استمرارها وتوسعها.

شهادات وتقارير: ما الذي يكشفه التحقيق؟

رصدت التحقيقات وثيقة عبارة عن عقد اتفاق لتأجير شهادة طبية، تم حجب البيانات الشخصية لأطراف العقد حفاظًا على خصوصيتهم. يوضح العقد بنود الاتفاق المالي وشروط الاستخدام، مع إعفاء الطبيب المؤجر من أي مسؤولية مهنية تجاه المرضى. كما أظهرت التحقيقات وجود إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك”، يعرض فيها صيادلة مؤهلاتهم للتأجير مقابل دخل شهري.

في شهادات حصلت عليها وسائل الإعلام، عبر أطباء وصيادلة عن شعورهم بالضغط الاقتصادي والإحساس بالعجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية. يقول أحد الأطباء، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إنه اضطر إلى تأجير شهادته بعد سنوات من الدراسة والديون المتراكمة، ولم يجد سبيلًا آخر لسداد التزاماته. كما أشار إلى أن العقد يتضمن بندًا يحرره من أي مسؤولية قانونية أو مهنية ناتجة عن ممارسة المهنة باسمه.

بالمقابل، يرى بعض المستثمرين أن هذه الممارسة تمثل حلاً عمليًا لتجاوز العقبات الإدارية والقانونية التي تواجههم في الحصول على تراخيص لمزاولة المهنة. لكنهم يقرون بأنها تحمل مخاطر كبيرة على سلامة المرضى وجودة الخدمات الطبية المقدمة.

تتراوح المبالغ المالية المدفوعة مقابل تأجير الشهادات بين 600 و 700 دينار أردني شهريًا (حوالي 840 إلى 980 دولارًا أمريكيًا)، وذلك حسب التخصص والخبرة والطلب في السوق. وتشير التقديرات إلى أن عدد الأطباء والصيادلة الذين يمارسون هذه الممارسة قد يتجاوز العشرات في مختلف مناطق المملكة.

الأمر لا يقتصر على تأجير الشهادات فحسب، بل يمتد ليشمل تأجير الخبرات والتراخيص لإنشاء عيادات ومراكز طبية وهمية، تعمل دون الالتزام بمعايير الجودة والسلامة، مما يعرض حياة المرضى للخطر. هذه المراكز غالبًا ما تقدم خدمات طبية غير قانونية أو غير مؤهلة، وتستغل حاجة المرضى إلى الرعاية الصحية.

وعلى الرغم من تكرار التحذيرات من نقابة الأطباء والهيئات الرقابية، إلا أن هذه الممارسة لا تزال مستمرة ومنتشرة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفاعلية لمكافحتها.

تدرس الحكومة الأردنية حاليًا تشديد الرقابة على القطاع الطبي، وتعديل القوانين والأنظمة المتعلقة بتراخيص مزاولة المهنة، وذلك للحد من انتشار ظاهرة تأجير الشهادات وضمان سلامة المرضى. ومن المتوقع أن يتم إعلان تفاصيل هذه التعديلات خلال الأشهر القليلة القادمة. في الوقت نفسه، تواصل نقابة الأطباء جهودها لزيادة الوعي بمخاطر هذه الممارسة، وتشجيع الأطباء على الإبلاغ عن أي حالات مشبوهة. يظل الوضع قيد المراقبة، ويتطلب تعاونًا وتنسيقًا بين جميع الأطراف المعنية لضمان مستقبل آمن وصحي للقطاع الطبي في الأردن.

شاركها.