يشهد العالم ارتفاعًا مقلقًا في حالات الصدفية، وهو مرض جلدي التهابي مزمن، خاصة في المناطق الأكثر ثراءً. كشف تحليل حديث شمل 236 دولة عن زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بهذا المرض، مما يثير تساؤلات حول العوامل المساهمة في هذا الاتجاه. ويهدف هذا المقال إلى استكشاف الأسباب المحتملة وراء هذا الارتفاع، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية وتأثيره على الصحة العامة.

أظهرت الأبحاث، التي نشرت في مجلة “JAMA Dermatology” الأسبوع الماضي، أن معدل الإصابة بالصدفية ارتفع بأكثر من 10٪ بين الرجال وأكثر من 7٪ بين النساء على مستوى العالم بين عامي 1990 و 2021. وبلغ إجمالي عدد الحالات 86 مليون حالة في عام 2021، مقارنة بـ 23.1 مليون حالة في عام 1990. وتشير التقديرات إلى أن أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وهما من بين أغنى مناطق العالم، سجلتا أعلى معدلات انتشار للمرض، ومن المتوقع أن تشهدان أكبر عدد من الحالات الجديدة بحلول عام 2050.

الصدفية في ازدياد: نظرة على الأسباب والعوامل المساهمة

الصدفية هي حالة جلدية تتميز بتراكم خلايا الجلد بسرعة كبيرة، مما يؤدي إلى ظهور بقع حمراء متقشرة ومثيرة للحكة، غالبًا على المرفقين والركبتين وفروة الرأس. ويعتقد أن المرض ناتج عن فرط نشاط الجهاز المناعي، على الرغم من أن الآليات الدقيقة لا تزال قيد الدراسة. على الرغم من عدم وجود علاج نهائي، إلا أن هناك علاجات فعالة متاحة لإدارة الأعراض.

العلاقة بين الثروة وانتشار المرض

يثير ارتفاع معدلات الإصابة بالصدفية في المناطق الغنية تساؤلات حول العوامل البيئية وأنماط الحياة التي قد تلعب دورًا. تشير إحدى النظريات إلى أن هذه المناطق قد يكون لديها عدد أكبر من الأشخاص الذين يرغبون في الإبلاغ عن أعراضهم، بالإضافة إلى توافر أطباء متخصصين قادرين على التشخيص الدقيق للحالات.

بالإضافة إلى ذلك، هناك فرضية “النظافة” التي تقترح أن الظروف فائقة النظافة في المجتمعات ذات الدخل المرتفع قد تقلل من التعرض للكائنات الحية الدقيقة والطفيليات، مما يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المناعية الذاتية مثل الصدفية.

عوامل الخطر الأخرى

لا تقتصر الإصابة بالصدفية على المناطق الغنية فحسب، بل يمكن أن تؤثر على الأفراد من جميع الخلفيات. تشمل عوامل الخطر المعروفة وجود تاريخ عائلي للمرض، والتهابات الحلق، وإصابات الجلد، والتعرض لملوثات الهواء. وقد وجدت دراسة حديثة في مجلة “Journal of Investigative Dermatology” وجود صلة بين تراكم الدهون في منطقة البطن وزيادة خطر الإصابة بالصدفية، خاصة لدى النساء.

من المهم ملاحظة أن الصدفية ليست مجرد مشكلة جلدية، بل يمكن أن تؤثر أيضًا على الصحة العامة للفرد. تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المصابين بالصدفية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وبعض أنواع السرطان.

الوضع الراهن في العالم العربي

لا تزال البيانات الخاصة بانتشار الصدفية في العالم العربي محدودة. ومع ذلك، تشير بعض الدراسات المتاحة إلى أن معدلات الإصابة في المنطقة تتراوح بين 1٪ و 3٪، وهي مشابهة للمعدلات العالمية. تشمل التحديات التي تواجه تشخيص وعلاج الصدفية في العالم العربي نقص الوعي العام بالمرض، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية المتخصصة، وارتفاع تكلفة العلاج.

التقدم في العلاج

شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا في علاجات الصدفية. بالإضافة إلى العلاجات الموضعية التقليدية، تتوفر الآن أدوية بيولوجية وعلاجات ضوئية أكثر فعالية. تهدف هذه العلاجات إلى تثبيط الجهاز المناعي وتقليل الالتهاب، مما يساعد على تخفيف الأعراض وتحسين جودة حياة المرضى.

بالإضافة إلى العلاجات الدوائية، يمكن أن تساعد بعض التغييرات في نمط الحياة في إدارة أعراض الصدفية. تشمل هذه التغييرات الحفاظ على وزن صحي، وتجنب التدخين، وتقليل الإجهاد، وتناول نظام غذائي متوازن.

من المتوقع أن يستمر البحث في مجال الصدفية في السنوات القادمة، مع التركيز على تطوير علاجات جديدة وأكثر فعالية، وفهم أفضل للعوامل التي تساهم في تطور المرض. وسيساعد ذلك على تحسين الرعاية المقدمة للمرضى وتقليل العبء الذي يفرضه هذا المرض على الأفراد والمجتمعات. وسيتم التركيز بشكل خاص على دراسة العوامل الوراثية والبيئية التي تؤثر على تطور المرض في مختلف المجموعات السكانية. وتشير التوقعات إلى أن التكنولوجيا الحيوية ستلعب دورًا متزايد الأهمية في تطوير علاجات مبتكرة للصدفية.

شاركها.