شهدت معدلات الفقر في فرنسا ارتفاعًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، في وقت انخفضت فيه هذه المعدلات في معظم دول الاتحاد الأوروبي. تشير أحدث بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (Eurostat) إلى أن حوالي 2% من السكان الفرنسيين يواجهون صعوبات كبيرة في تلبية احتياجاتهم الأساسية منذ عام 2014. هذا الاتجاه المقلق يضع فرنسا في مصاف الدول الأوروبية القليلة التي لم تشهد تحسنًا في مستويات المعيشة.
تأتي هذه الزيادة في معدلات الفقر في فرنسا في وقت حققت فيه دول أوروبية أخرى، خاصة في الشرق والجنوب، تقدمًا كبيرًا في مكافحة الفقر. وتشير البيانات إلى أن هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها، حيث شهدت دول شمال أوروبا أيضًا ارتفاعًا طفيفًا في معدلات الفقر خلال نفس الفترة.
ارتفاع معدلات الفقر في فرنسا: نظرة على الأرقام والتحديات
وفقًا لـ Eurostat، فإن معدل الفقر العام في الاتحاد الأوروبي يبلغ حاليًا 17.4%، مما يعني أن ما يقرب من شخصين من كل عشرة أشخاص يواجهون صعوبات مالية كبيرة. على الرغم من أن هذا يمثل تحسنًا طفيفًا مقارنة بعام 2023 (19.1%) وعشر نقاط تحسن مقارنة بعام 2015 (27.1%)، إلا أن بعض الدول لا تزال تعاني من معدلات فقر مرتفعة للغاية.
الدول الأوروبية الأكثر تضررًا
تتصدر اليونان قائمة الدول الأوروبية الأكثر تضررًا من الفقر، حيث يبلغ معدل الفقر فيها ما يقرب من 67%، وهو الأعلى بين جميع دول الاتحاد الأوروبي. تليها بلغاريا بنسبة 37% وسلوفاكيا بنسبة تقارب 29%. هذه الأرقام تسلط الضوء على التفاوتات الاقتصادية الكبيرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
دول حققت تقدمًا ملحوظًا
في المقابل، حققت العديد من الدول الأوروبية، وخاصة في الشرق والجنوب، تقدمًا ملحوظًا في خفض معدلات الفقر. تتصدر قبرص القائمة بانخفاض قدره 38%، تليها كرواتيا بنسبة 34.6% والمجر بنسبة 26.8% وبلغاريا بنسبة 26.5% ورومانيا بنسبة 21.8%. يعزى هذا التحسن إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك النمو الاقتصادي والسياسات الاجتماعية الفعالة.
الفقر بين الأطفال والشباب: قضية مقلقة
عند تحليل بيانات الفقر حسب الفئة العمرية، يظهر أن الفئة العمرية الأصغر هي الأكثر تضررًا. يبلغ معدل الفقر بين الأطفال دون سن 18 عامًا 20.6%، وهو الأعلى بين جميع الفئات العمرية. بينما يبلغ معدل الفقر بين كبار السن (65 عامًا فما فوق) 14.9%، وهو الأدنى.
ومع ذلك، تشير Eurostat إلى أن جميع الفئات العمرية شهدت انخفاضًا في معدلات الفقر من عام 2023 إلى عام 2024. وكان أكبر انخفاض في الفئة العمرية بين 18 و 64 عامًا، حيث بلغ 1.8 نقطة مئوية، بينما كان الانخفاض في كل من الفئتين الأصغر والأكبر 1.6 نقطة مئوية.
تعتبر مشكلة الفقر بين الأطفال والشباب ذات أهمية خاصة، حيث يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على صحتهم وتعليمهم وفرصهم المستقبلية. يتطلب معالجة هذه القضية استثمارات كبيرة في التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصة تكاليف السكن والطاقة، يمثل تحديًا كبيرًا للأسر ذات الدخل المنخفض. تؤدي هذه التكاليف المرتفعة إلى تفاقم مشكلة الفقر وتجعل من الصعب على الأسر تلبية احتياجاتها الأساسية. كما أن التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية يساهمان في زيادة الضغوط المالية على الأسر.
تعتبر معالجة مشكلة الفقر في فرنسا والاتحاد الأوروبي بشكل عام مهمة معقدة تتطلب جهودًا متضافرة من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. يتطلب ذلك تبني سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل وتوفير شبكات أمان اجتماعي قوية.
من المتوقع أن يصدر Eurostat تقريرًا مفصلًا في الربع الأول من عام 2025 يتضمن تحليلاً أعمق لأسباب ارتفاع معدلات الفقر في فرنسا والدول الأخرى، بالإضافة إلى تقييم لفعالية السياسات الحالية. سيوفر هذا التقرير معلومات قيمة لصناع القرار والباحثين والمنظمات المعنية بمكافحة الفقر. ومن المهم مراقبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية في الاتحاد الأوروبي وتقييم تأثيرها على مستويات المعيشة.






