شهدت السواحل التركية مؤخرًا سلسلة من الحوادث والانفجارات التي طالت ناقلات نفط تابعة لما يُعرف بـ “أسطول الظل الروسي”، مما أثار مخاوف متزايدة بشأن سلامة الملاحة البحرية في مضيق البوسفور والدردنيل. هذه الأحداث المتكررة تزيد من الضغط على تركيا والمجتمع الدولي لمعالجة المخاطر المرتبطة بهذا الأسطول الذي يحاول الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

وقعت عدة حوادث خلال الأسابيع القليلة الماضية، بما في ذلك تقارير عن أعطال ميكانيكية وانفجارات في غرف المحركات لناقلات نفط مشتبه في أنها جزء من هذا الأسطول. وتتركز هذه الحوادث في منطقة المضائق التركية، وهي ممر مائي حيوي للتجارة العالمية، مما يهدد بتعطيل حركة الشحن وارتفاع أسعار الطاقة.

ما هو أسطول الظل الروسي؟

ظهر ما يسمى بـ “أسطول الظل الروسي” كرد فعل على العقوبات الدولية التي فرضتها دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي على صادرات النفط الروسية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. تهدف هذه العقوبات إلى الحد من قدرة روسيا على تمويل الحرب من خلال تقييد وصولها إلى الأسواق الغربية.

وتشمل هذه الإجراءات تحديد سقف لسعر النفط الروسي وحظر خدمات التأمين والشحن التي تقدمها الشركات الغربية للسفن التي تنقل النفط الروسي بسعر يتجاوز هذا السقف. ونتيجة لذلك، قامت روسيا بتجميع أسطول كبير من ناقلات النفط القديمة والمتهالكة، والتي غالبًا ما تكون غير خاضعة للرقابة الصارمة التي تخضع لها السفن الأخرى.

مخاطر تتعلق بالسلامة البحرية

تعتبر ناقلات “أسطول الظل” مصدر قلق بالغ بسبب حالتها الفنية السيئة وعدم كفاية الصيانة. العديد من هذه السفن تجاوزت عمرها الافتراضي، مما يزيد من احتمالية حدوث أعطال ميكانيكية وحرائق. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تفتقر هذه السفن إلى التأمين الكافي من قبل شركات التأمين الدولية المعروفة باسم نوادي الحماية والتعويض (P&I Clubs)، مما يعني أنه في حالة وقوع حادث، قد لا يكون هناك تمويل كافٍ لتغطية الأضرار أو عمليات الإنقاذ.

يمثل موقع المضائق التركية تحديًا إضافيًا. فالمضيق ضيق ومتعرج، مما يجعل الملاحة صعبة حتى في الظروف العادية. أي حادث في هذه المنطقة يمكن أن يؤدي إلى إغلاق المضيق وتعطيل حركة الشحن لعدة أيام، مما يؤثر على أسواق الطاقة العالمية.

التداعيات الإقليمية والدولية

تثير هذه الحوادث قلقًا كبيرًا لدى السلطات التركية، التي تشعر بالقلق إزاء المخاطر البيئية المحتملة وتأثيرها على السياحة والاقتصاد المحلي. وقد أعلنت تركيا عن تشديد الرقابة على ناقلات النفط التي تمر عبر مضائقها، ولكنها تواجه صعوبات في تحديد السفن التي تنتهك العقوبات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تكرار هذه الحوادث يضع ضغوطًا إضافية على أسواق الطاقة العالمية. ففي حالة حدوث إغلاق طويل الأمد للمضائق التركية، قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط وتعطيل إمدادات الطاقة إلى أوروبا. ويشير خبراء في مجال الشحن إلى أن الاعتماد المستمر لروسيا على هذا الأسطول المتهالك يزيد من احتمالية وقوع حوادث أخرى في المستقبل القريب. وتشير التقارير إلى أن بعض هذه الناقلات تستخدم ممارسات غير آمنة لتقليل التكاليف، مثل استخدام أطقم غير مدربة أو تجاهل إجراءات السلامة الأساسية.

تتعقد الأمور بسبب الهياكل المعقدة للملكية للعديد من هذه السفن، والتي غالبًا ما تكون مسجلة في دول ذات قوانين تسجيل سفن متساهلة. وهذا يجعل من الصعب تحديد المسؤولية عن أي انتهاكات للعقوبات أو حوادث سلامة.

مستقبل أسطول الظل الروسي

من المتوقع أن تواصل السلطات التركية تشديد الرقابة على ناقلات النفط التي تمر عبر مضائقها، وأن تطلب المزيد من المعلومات حول حمولتها ووجهتها. ومع ذلك، فإن فعالية هذه الإجراءات تعتمد على التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول المختلفة. كما أن هناك دعوات لفرض عقوبات أكثر صرامة على الشركات والأفراد المتورطين في تسهيل عمليات نقل النفط الروسي عبر “أسطول الظل”.

في الوقت الحالي، لا يوجد حل سهل لهذه المشكلة. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، من المرجح أن تستمر روسيا في الاعتماد على هذا الأسطول للالتفاف على العقوبات. ما يجب مراقبته في الأشهر المقبلة هو مدى قدرة المجتمع الدولي على فرض العقوبات بشكل فعال، ومدى استعداد تركيا لتحمل التكاليف السياسية والاقتصادية المرتبطة بتشديد الرقابة على ناقلات النفط. كما أن تطورات الوضع الجيوسياسي في البحر الأسود ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل هذا الأسطول والمخاطر التي يمثلها.

شاركها.