يشهد العالم حالات نادرة تثير اهتمام علماء الأعصاب، حيث يكتسب أفراد فجأة قدرات استثنائية في مجالات محددة بعد إصابات دماغية أو حوادث خطيرة. تُعرف هذه الظاهرة بـ متلازمة العالم المكتسب، وهي حالة نادرة تظهر فيها مواهب فنية أو علمية لم تكن موجودة من قبل بشكل واضح. وتثير هذه الحالات تساؤلات حول قدرات الدماغ الكامنة وكيفية ظهورها في ظل ظروف معينة.

وقد وثقت تقارير طبية حالات قليلة حول العالم، لا تتجاوز بضع عشرات، لأشخاص ظهرت لديهم مهارات غير عادية بعد تعرضهم لإصابات في الرأس أو أمراض عصبية. هذه القصص تفتح نافذة على فهم أعمق لكيفية عمل الدماغ البشري وإمكاناته الخفية، وتدفع الباحثين لاستكشاف الآليات العصبية الكامنة وراء هذه التحولات المذهلة.

ما هي متلازمة العالم المكتسب؟

تتميز متلازمة العالم المكتسب بظهور مفاجئ لقدرات استثنائية في مجالات مثل الموسيقى، الرسم، الرياضيات، أو حتى اللغات. وفقًا للدراسات، لا يتعلق الأمر باكتساب مهارة جديدة تمامًا، بل بتحرير قدرات كامنة كانت موجودة في الدماغ ولكنها لم تظهر إلى الوعي. يحدث هذا غالبًا نتيجة لتلف في مناطق معينة من الدماغ، مما يؤدي إلى إعادة تنظيم الشبكات العصبية وإطلاق إمكانات مخفية.

وقد استعرضت تقارير حالات لأفراد مثل جايسون بادجيت، الذي أصبح فجأة عبقريًا في الرياضيات بعد إصابة في الرأس، ورأى العالم من حوله كأشكال هندسية معقدة. كما ظهرت حالات أخرى، مثل توني سيكوريا الذي اكتسب موهبة موسيقية استثنائية بعد صاعقة برق. هذه الحالات تؤكد أن الدماغ يمتلك قدرات هائلة قد تظل غير مستغلة حتى تظهر الظروف المناسبة.

العلاقة بالتوحد واضطرابات النمو العصبي

تشير الأبحاث إلى وجود صلة بين متلازمة العالم المكتسب واضطرابات النمو العصبي، مثل التوحد. حيث يمتلك نسبة كبيرة من الأطفال المصابين بالتوحد مواهب استثنائية في مجالات محددة، على الرغم من وجود صعوبات في مجالات أخرى. ويرجع ذلك إلى نمط غير اعتيادي في توصيل الدوائر العصبية، حيث تكون بعض المناطق مفرطة الاتصال وأخرى ضعيفة الاتصال.

ويعتقد الباحثون أن هذا النمط العصبي الفريد قد يساهم في ظهور المواهب الاستثنائية لدى الأفراد المصابين بالتوحد، وكذلك في حالات متلازمة العالم المكتسب بعد الإصابات الدماغية. ففي كلتا الحالتين، يحدث نوع من إعادة التنظيم العصبي يسمح ببروز قدرات كانت مخفية.

كيف يشرح العلم هذه الظاهرة؟

لا يزال فهم الآليات الدقيقة وراء متلازمة العالم المكتسب قيد البحث، ولكن هناك عدة نظريات تحاول تفسير هذه الظاهرة. إحدى النظريات تشير إلى أن تلفًا في الفص الجبهي للدماغ قد يضعف الدور المثبط، مما يحرر دوائر عصبية محلية ويسمح بظهور القدرات المخفية.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض الباحثين أن الإصابات الدماغية قد تؤدي إلى إعادة توجيه الموارد العصبية نحو مناطق معينة، مما يعزز القدرات في تلك المجالات. وهذا يتطلب دراسات متعمقة لتحديد المناطق الدماغية المسؤولة عن كل نوع من القدرات المكتسبة، وكيف تتغير وظائفها بعد الإصابة.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن استخدام تقنيات تصوير الدماغ المتقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، يمكن أن يساعد في رسم خريطة للشبكات العصبية المرتبطة بهذه الظاهرة، وفهم كيفية عملها. وهذا قد يفتح الباب أمام تطوير علاجات جديدة لمساعدة الأفراد الذين يعانون من إصابات دماغية على استعادة أو تطوير قدراتهم.

وفي الختام، تظل متلازمة العالم المكتسب لغزًا مثيرًا للاهتمام في مجال علم الأعصاب. ومع استمرار الأبحاث والدراسات، من المتوقع أن يتم الكشف عن المزيد من الأسرار حول قدرات الدماغ البشري وإمكاناته الخفية. ومن المرجح أن تشهد السنوات القادمة تطورات كبيرة في فهم هذه الظاهرة، مما قد يؤدي إلى تحسين جودة حياة الأفراد الذين يعانون من إصابات دماغية أو اضطرابات عصبية.

شاركها.