أثار تأجيل التصويت على مشروع قانون إيطالي يهدف إلى إدخال مفهوم الموافقة في تعريف جرائم الاعتداء الجنسي جدلاً واسعاً، بعد أن حظي المشروع بموافقة بالإجماع في مجلس النواب الأسبوع الماضي. ويهدف القانون الجديد إلى تعزيز حماية الضحايا وتحسين الاستجابة لـ الاعتداء الجنسي، لكنه الآن معلق حتى فبراير 2026 على الأقل، وفقاً لتصريحات رئيسة لجنة العدالة في مجلس الشيوخ.

أعلنت جوليا بونجورنو، رئيسة لجنة العدالة في مجلس الشيوخ، أن اللجنة ستنهي مراجعة مشروع القانون بحلول يناير المقبل، إلا أن التصويت في مجلس الشيوخ قد تأجل بناءً على طلب من حزب الرابطة، الذي طالب بإجراء المزيد من الجلسات وإعادة فحص النص. وقد أيد حزبا “فورزا إيطاليا” و”إخوة إيطاليا” هذا الطلب، مما أدى إلى إلغاء التصويت المقرر يوم الثلاثاء، المصادف لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.

جدل حول تعريف “الموافقة” في قضايا الاعتداء الجنسي

يثير مشروع القانون نقاشاً حول تعريف “الموافقة” وتحديداً فيما يتعلق بالقضايا التي تعتبر “بسيطة”. وحذر المحامي الجنائي إنريكو أماتي من أن الجمع بين شرط الموافقة وتعميم نطاق “الأفعال الجنسية” قد يؤدي إلى قلب عبء الإثبات على المتهمين، وهو ما أثار قلقاً لدى وزيرة المساواة بين الجنسين إيوجينيا روكيلا.

بينما يرى البعض خطراً في ذلك، أكد فابيو رويا، رئيس محكمة ميلانو المتخصص في قضايا العنف ضد المرأة، أن إدخال مفهوم الموافقة لا يمثل بأي حال من الأحوال تحولاً في عبء الإثبات. وأشار إلى أن القانون يهدف إلى توضيح أن الفعل الجنسي بدون موافقة واعية وحرة يعتبر جريمة.

ردود فعل سياسية متباينة

أثار التأجيل انتقادات حادة من أحزاب المعارضة، التي اتهمت الائتلاف الحاكم بتقويض التشريع بعد نتائج الانتخابات الإقليمية الأخيرة التي شهدت فوزاً للوسط اليساري في كامبانيا وبوليا، وفوزاً لليمين الوسط في فينيتو. وعبرت إيلي شلاين، زعيمة الحزب الديمقراطي، عن استيائها، مطالبة بتطبيق الاتفاقات السابقة.

كما صرحت ماريا إيلينا بوشي، رئيسة مجموعة حزب “إيطاليا فيفا” المعارض في مجلس النواب، بأنهم لم يعودوا يثقون بالأغلبية الحاكمة. في المقابل، دافعت جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء، عن التأخير قائلة إن القانون “يجب أن يتم بشكل صحيح، وليس على عجل”، نافيةً وجود اتفاق سياسي للضغط من أجل التصويت.

وأكدت بونجورنو أن الاتفاق بين شلاين وميلوني كان عاماً، ولم يتضمن تفاصيل محددة حول الفقرة المثيرة للجدل أو الموعد النهائي للتصويت. وقد أدى هذا إلى حالة من عدم اليقين حول مستقبل مشروع القانون.

تطورات أوروبية في مكافحة العنف ضد المرأة

على الصعيد الأوروبي، أكدت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية روكسانا مينزاتو، والمفوضة المعنية بالمساواة بين الجنسين هادجا لحبيب، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس، التزام الاتحاد الأوروبي بإنهاء العنف ضد المرأة. وشددن على أن “الحرية من العنف القائم على النوع الاجتماعي” هي المبدأ الأول في خريطة طريق حقوق المرأة، وسيتم إعطاء الأولوية لها في استراتيجية المساواة بين الجنسين 2026-2030.

تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية إسطنبول التابعة لمجلس أوروبا، والتي تمت الموافقة عليها في أبريل 2011 ووقعت عليها 45 دولة، تعرف العنف ضد المرأة بأنه انتهاك لحقوق الإنسان والتمييز. وقد صدق الاتحاد الأوروبي على الاتفاقية في يونيو 2023، مما يمثل خطوة هامة نحو تعزيز حماية المرأة.

إلا أن التشريعات الأوروبية الأخيرة لم تكن موحدة في هذا الشأن. ففي عام 2024، استبعد التشريع الأوروبي الأول لمكافحة العنف ضد المرأة “الموافقة” من تعريف الاغتصاب، وذلك بسبب معارضة بعض الدول الأعضاء مثل فرنسا وألمانيا. في المقابل، أدخلت فرنسا مفهوم الموافقة في تعريف الاغتصاب في أكتوبر الماضي، بعد قضية جيزيل بيلكو، حيث تعرضت امرأة للتخدير واعتدت عليها جنسياً من قبل العشرات بينما كانت فاقدة للوعي.

كما أن دولاً مثل إسبانيا والسويد وهولندا وكندا والنرويج قد تبنت بالفعل تعريفات قائمة على الموافقة لتعزيز الحماية القانونية لضحايا الاعتداء الجنسي.

من المتوقع الآن أن تعود قضية مشروع القانون الإيطالي إلى لجنة العدالة في مجلس الشيوخ لمزيد من الدراسة. وسيتعين على اللجنة التوصل إلى حلول مقبولة لجميع الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار المخاوف بشأن تعريف الموافقة وتجنب أي تحول في عبء الإثبات. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان بإمكان الأطراف المعنية التوصل إلى اتفاق قبل الموعد النهائي المحدد في فبراير 2026، وتبقى هذه القضية خاضعة للمراقبة.

شاركها.