كشفت دراسة حديثة عن إمكانية استخدام عقار ميتفورمين، وهو دواء شائع لعلاج داء السكري من النوع الثاني، للمساعدة في تقليل حاجة مرضى السكري من النوع الأول إلى جرعات كبيرة من الأنسولين للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم. توصلت الأبحاث، التي أجراها معهد غارفان للأبحاث الطبية في أستراليا، إلى نتائج واعدة قد تغير طريقة إدارة هذا المرض المزمن. وقد نشرت هذه النتائج في مجلة علمية مرموقة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وحظيت باهتمام واسع من مجتمع الرعاية الصحية.
تعد الدراسة ذات أهمية خاصة بالنظر إلى أن استخدام الأنسولين طويل الأمد قد يؤدي إلى مقاومة الأنسولين لدى بعض مرضى النوع الأول، مما يستدعي زيادة الجرعات باستمرار لتحقيق نفس التأثير. يُعد السكري من النوع الأول حالة مناعية ذاتية، حيث يهاجم الجهاز المناعي خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين، مما يجعل العلاج بالأنسولين ضروريًا للبقاء على قيد الحياة. تُظهر النتائج أن دواء ميتفورمين قد يقدم مسارًا علاجيًا إضافيًا.
آلية عمل الميتفورمين غير مفهومة بشكل كامل
وفقًا للدكتورة جينيفر سنيث، أخصائية الغدد الصماء في مستشفى سانت فنسنت بسيدني والباحثة المشاركة في الدراسة، فإن مقاومة الأنسولين تمثل تحديًا كبيرًا في إدارة مرض السكري من النوع الأول، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وهي السبب الرئيسي للمضاعفات الصحية والوفيات. ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن الميتفورمين لا يعالج مقاومة الأنسولين بنفس الطريقة التي يعمل بها في مرض السكري من النوع الثاني.
الأمر المثير للاهتمام هو أن المشاركين في الدراسة الذين تناولوا ميتفورمين تمكنوا من تقليل جرعات الأنسولين التي يحتاجونها بنسبة تقدر بـ 12% مقارنة بأولئك الذين تلقوا دواءً وهميًا. هذا الانخفاض في الحاجة إلى الأنسولين قد يكون له آثار إيجابية كبيرة على جودة حياة المرضى وتقليل خطر الآثار الجانبية المرتبطة بالجرعات العالية.
أكد البروفيسور جيري غرينفيلد، رئيس قسم السكري والغدد الصماء في مستشفى سانت فنسنت، ورئيس الفريق البحثي، أن الميتفورمين متوفر منذ قرابة قرن، لكن آلية عمله الدقيقة لا تزال لغزًا. وعلى الرغم من الاستخدام الواسع النطاق، فإن فهم كيفية تأثير الدواء على الجسم لا يزال محدودًا.
التأثير المحتمل على البكتيريا المعوية
وأضاف غرينفيلد أن النتائج لم تظهر تحسينات في مقاومة الأنسولين أو تغييرات في مستويات السكر في الدم، مما استبعد الفرضية الأولية بأن الميتفورمين يزيد من حساسية الجسم للأنسولين. بدلاً من ذلك، يركز فريق البحث الآن على إمكانية تأثير الدواء على البكتيريا المعوية – ما يُعرف بـ الميكروبيوم المعوي – وهذا لم يُدرس من قبل في سياق السكري من النوع الأول.
يشير غرينفيلد إلى أن هناك أدلة متزايدة على أن المكربوهيدرات المعوية تلعب دوراً حاسماً في تنظيم مستويات السكر في الدم وصحة التمثيل الغذائي بشكل عام. لذلك، يعتقد الباحثون أن الميتفورمين قد يغير تركيبة ووظيفة المكربوهيدرات المعوية بطرق مفيدة لمرضى السكري من النوع الأول. وهذا يشير الى وجود علاقة بين صحة الأمعاء و تنظيم السكر في الدم.
من المهم الإشارة إلى أن هذه الدراسة لا توصي بتغيير العلاج الحالي لمرضى السكري من النوع الأول. ومع ذلك، فإنها تفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث لاستكشاف إمكانية استخدام الميتفورمين كعلاج إضافي لتقليل حاجتهم إلى الأنسولين وتحسين التحكم في الجلوكوز.
في المرحلة القادمة، يخطط فريق البحث لإجراء دراسات أكثر تفصيلاً لتقييم تأثير الميتفورمين على الميكروبيوم المعوي لدى مرضى السكري من النوع الأول. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من هذه الدراسات بحلول منتصف عام 2026، وقد توفر رؤى جديدة حول الآلية التي يعمل بها الدواء. سيكون من المهم مراقبة هذه التطورات، وتقييم ما إذا كانت النتائج تدعم استخدامه على نطاق أوسع في إدارة المرض.






