يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل بدأتا العمل على نزع سلاح المقاومة الفلسطينية دون الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تتضمن انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة بشكل كامل، وذلك بسبب عجز الأميركيين عن تشكيل قوة حفظ الاستقرار الدولية، كما يقول خبراء. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل الهدنة وجهود تحقيق السلام في المنطقة، ويضع عملية نزع السلاح في قلب الخلافات.
فبعد ستة أسابيع من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، لا تزال قوات الاحتلال تنفذ عمليات عسكرية يومية في مناطق مختلفة بالقطاع، في حين يتواصل إغلاق كافة المعابر البرية وتقييد دخول المساعدات بشكل كبير جداً. هذا الوضع يعيق جهود إعادة الإعمار ويؤثر بشكل مباشر على حياة السكان الفلسطينيين.
بدء نزع السلاح: العقبات والتحديات
وفي الوقت نفسه، لم يعد الحديث عن بدء المرحلة الثانية قائماً، حيث تصر إسرائيل على جعل نزع سلاح حركة حماس عنواناً رئيسياً لها، وهو أمر لم تقبل به المقاومة رسمياً، حسب أستاذ النزعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات. تعتبر إسرائيل أن نزع السلاح ضروري لضمان أمنها، بينما ترى المقاومة أنه شرط غير مقبول قبل تحقيق انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية.
وفقاً لفريحات، فقد قبلت المقاومة بالمرحلة الأولى فقط من الاتفاق والتي شملت وقف الحرب وتسليم الأسرى، لكنها لم تقبل رسمياً بمرحلة نزع سلاحها الذي يتطلب مفاوضات بشأن طبيعة طريقة تنفيذه والطرف الذي سيتسلم هذا السلاح والنتائج التي ستترتب على هذا الأمر. هذه المفاوضات لم تبدأ بعد، مما يزيد من تعقيد الوضع.
الموقف الإسرائيلي والأهداف الاستراتيجية
والواضح حالياً -برأي فريحات- أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا ترغبان في التفاوض بشأن هذه المسألة، وأنهما بدأتا بالفعل العمل على نزع السلاح دون موافقة الطرف الفلسطيني. هذا النهج من شأنه أن يزيد من التوتر ويقوض فرص تحقيق سلام دائم.
نزع سلاح حماس كان ولا يزال أحد أهم أهداف الحرب التي يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن بنيامين نتنياهو يريد القول للإسرائيليين إنه نجح في تحقيقه من خلال خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولا سيما أنه دخل موسم الانتخابات. يعتبر نتنياهو أن تحقيق هذا الهدف سيساعده في تعزيز صورته أمام الناخبين الإسرائيليين.
الضغط العسكري والإنساني
لذلك، يواصل نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية الضغط بالطرق العسكرية والإنسانية، لإجبار كافة الأطراف على جعل نزع السلاح عنواناً للمرحلة الثانية التي لن يقبل بدخولها دون تحقيق هذا الهدف، برأي مصطفى. يشمل هذا الضغط تقييد دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما يزيد من معاناة السكان.
وفي حال لم تبدأ المرحلة الثانية بنزع سلاح المقاومة فإن نتنياهو سيزيد العمليات العسكرية، لأنه لا يريد بقاء الوضع في القطاع كما هو عليه الآن، لأن سيطرة حماس على نصف غزة تمثل فشلاً إستراتيجياً له، كما يقول مصطفى. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد جديد للعنف في المنطقة.
تقسيم غزة: سيناريو محتمل
والأهم من ذلك -حسب المتحدث نفسه- أن نتنياهو يخطط حالياً للإبقاء على الاتفاق، لكنه لن يسحب قواته وربما يقبل بإعادة إعمار الجزء الخاضع لسيطرتها من القطاع، في حين يواصل تنفيذ عمليات يومية في الجزء الخاضع للمقاومة. هذا قد يؤدي إلى تقسيم فعلي لغزة بين مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيل ومناطق خاضعة لسيطرة حماس.
ولا يختلف الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن الدولي كينيث كيتزمان كثيراً مع الرأيين السابقين، ويعتقد أن أيام حماس في غزة “أصبحت معدودة بغض النظر عن الطريقة التي سيتم إنهاؤها بها”. يرى كيتزمان أن الضغوط الاقتصادية والسياسية ستجعل من الصعب على حماس الحفاظ على سيطرتها على القطاع.
حتى لو لم تعمل إسرائيل على نزع هذا السلاح بالقوة فإن إعادة إعمار الجزء الخاضع لإسرائيل من غزة وتوفير كافة سبل الحياة لسكانه -برأي كيتزمان- سيدفعان الفلسطينيين الموجودين في مناطق سيطرة حماس إلى الضغط عليها من أجل مغادرة القطاع لكي يحظوا بسبل الحياة. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي في غزة.
المرحلة القادمة والآفاق المستقبلية
وبناء على هذه المقدمات فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق يبدو أمراً صعباً، ويجري بطريقة غير سلمية، ويتجه نحو تقسيم القطاع، بنظر كيتزمان. المفاوضات المستقبلية ستكون حاسمة لتحديد مستقبل غزة والمنطقة بأكملها.
من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، ولكن التحديات كبيرة والعقبات كثيرة. المجتمع الدولي يراقب الوضع عن كثب، ويأمل في تحقيق سلام دائم في المنطقة. ما يجب مراقبته في الفترة القادمة هو رد فعل المقاومة الفلسطينية على الضغوط الإسرائيلية، وموقف مصر كراعية للاتفاق، وتطورات المفاوضات المحتملة بشأن نزع السلاح.






