شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً، بالتزامن مع تفاؤل حذر في الأسواق العالمية بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا. يأتي هذا التحرك بعد فترة من التراجع، حيث ارتدت الأسعار من أدنى مستوياتها في شهر، مع إشارة البيت الأبيض إلى تطورات إيجابية قد تعيد كميات كبيرة من النفط الروسي إلى الأسواق المشبعة بالفعل. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل أسعار النفط وتأثيره على الاقتصاد العالمي.

ارتفع سعر خام برنت بمقدار 1% ليستقر عند 63.13 دولار للبرميل لتسوية شهر يناير، بينما زاد خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 1.2% ليغلق فوق حاجز الـ 58 دولاراً للبرميل، مسجلاً استعادة لمعظم الخسائر التي تكبدها في اليوم السابق. ومع ذلك، لا تزال أحجام التداول منخفضة نسبياً مع اقتراب عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة.

توقعات بارتفاع المعروض من النفط مع التقدم في مفاوضات السلام

أفادت مصادر في الكرملين بأن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيقود وفداً رفيع المستوى إلى روسيا الأسبوع المقبل بهدف استئناف المحادثات حول إنهاء الحرب المستمرة منذ حوالي أربع سنوات. وفي المقابل، صرح مدير مكتب الرئيس الأوكراني بأن المفاوضات التي جرت في جنيف أسفرت عن وضع “أساس جيد” للمضي قدماً.

لكن التوصل إلى اتفاق نهائي لا يزال يواجه تحديات كبيرة، حيث أن الشروط المقبولة من قبل أوكرانيا قد تشكل نقطة خلاف رئيسية بالنسبة لروسيا، والعكس صحيح. هذا التعقيد يجعل من الصعب تقييم الأثر الفعلي لأي اتفاق سلام محتمل على أسعار النفط.

تأثير العقوبات على الإمدادات الروسية

يخضع حالياً جزء كبير من إنتاج روسيا من النفط والوقود لسلسلة من العقوبات الغربية، حيث بدأت قيود أمريكية جديدة على أكبر منتجين اثنين في روسيا الأسبوع الماضي. ومع ذلك، فقد استمرت دول مثل الصين والهند وتركيا في شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة، مما يجعل من الصعب تحديد مدى تأثير أي تخفيف للعقوبات على الأسعار العالمية.

وفقاً لمحللي “ستاندرد تشارترد”، بما في ذلك إميلي آشفورد، فإن السوق استوعبت بعناية التعديلات الطفيفة التي طرأت على مقترحات السلام بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وأشاروا إلى أن أي إشارات إيجابية إلى التعاون أو التوصل إلى اتفاق أدت إلى موجات بيع قصيرة الأجل، بينما أعطى تراجع الحماس دعماً للأسعار.

تراجع المخزونات الأمريكية

في سياق متصل، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) يوم الأربعاء عن ارتفاع في المخزونات الإجمالية من النفط الخام بمقدار 2.8 مليون برميل. كما ارتفعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير أيضاً. لكن هذا الارتفاع لم يخفف بالكامل من المخاوف المتزايدة بشأن احتمال وجود فائض في المعروض من النفط.

توقعات عالمية تشير إلى زيادة المعروض

شهدت أسعار النفط تراجعاً بأكثر من 20% منذ منتصف شهر يونيو، بالتزامن مع زيادة إنتاجية مجموعة أوبك+، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الدول غير المنضوية في هذه المجموعة. تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتجاوز المعروض العالمي من النفط الطلب بمقدار غير مسبوق يبلغ 4 ملايين برميل يومياً في العام المقبل.

تقدّر مجموعة “غولدمان ساكس” أن اتفاق السلام المحتمل قد يؤدي إلى انخفاض في توقعاتها الأساسية لسعر النفط بحوالي 5 دولارات للبرميل في العام المقبل. وذكر المحلل دان ستريفن في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” أن هذا قد يؤدي إلى وصول سعر خام برنت إلى حوالي 50 دولاراً للبرميل بحلول عام 2026. هذا التحليل يعكس تزايد المخاوف بشأن الإفراط في العرض وتأثيره على الأسعار.

من جانبها، أشارت نور العلي، محللة أسواق في “ماركتس لايف” التابعة لـ “بلومبرغ”، إلى أن المراكز الاستثمارية لا تزال تميل إلى تجنب المخاطر، وأن التقلبات محدودة نسبياً، مما يساعد على استقرار سعر خام برنت في نطاق ضيق يتراوح بين 60 و 65 دولاراً للبرميل على مدى الأشهر المقبلة. وأضافت أن المحادثات المتعلقة بالسلام قد تمثل مصدراً إضافياً لمخاطر الإمدادات، مما يزيد من احتمالية انخفاض الأسعار نحو 60 دولاراً للبرميل وفتح الباب أمام تحديد مستوى أدنى جديد للأسعار.

في الختام، من المقرر أن تبدأ محادثات الوفد الأمريكي في روسيا الأسبوع المقبل، ومن المتوقع أن تكون النتائج الأولية واضحة في غضون أيام قليلة. يعتمد اتجاه أسعار النفط بشكل كبير على مدى جدية هذه المحادثات وقدرة الطرفين على التوصل إلى حلول مقبولة. بالإضافة إلى ذلك، يجب متابعة تطورات معروض النفط العالمي، وخاصة من قبل أوبك+ والدول الأخرى المنتجة، لتقييم الأثر المحتمل على السوق.

شاركها.