شهد قطاع الطاقة في الشرق الأوسط خلال الشهر الجاري تنظيم مؤتمرين هامين، سلطا الضوء على رؤى جديدة حول مستقبل الطاقة والاستدامة من منظور إقليمي. وقد كشف المؤتمرين عن نقاشات متباينة حول أولويات المنطقة في مواجهة التحديات العالمية، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، ودور الذكاء الاصطناعي، وتطور مصادر الطاقة المتجددة. تأتي هذه الأحداث في توقيت حاسم يشهد فيه العالم تحولات جذرية في كيفية إنتاج واستهلاك الطاقة.
استضافت أبوظبي فعالية ADIPEC الضخمة، التي جمعت مئات المتحدثين من مختلف أنحاء العالم على مدار أربعة أيام، وتناولت 10 مجالات استراتيجية بالإضافة إلى العديد من الجلسات الفنية المتخصصة. في المقابل، انعقد في دبي قمة “طاقة الصحراء” (Dii Desert Energy Summit) بمشاركة محدودة نسبياً، لكنها كانت حيوية، حيث جمعت نفس الشركات المصنعة والمقاولين الرئيسيين، ولكن بمنظور مختلف تماماً حول مستقبل الطاقة في الشرق الأوسط.
مستقبل الطاقة: بين الاستثمار التقليدي والتحول المستدام
ركز مؤتمر ADIPEC بشكل كبير على أهمية الاستثمار المستمر في جميع أشكال الطاقة، وخاصة النفط والغاز، لضمان استقرار الإمدادات وتلبية الطلب العالمي المتزايد. أكد الدكتور سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، على ضرورة “التغاضي عن الضوضاء وتتبع الإشارة”، مشيراً إلى أن الطلب على الطاقة سيستمر في النمو على المدى الطويل.
وأضاف الدكتور الجابر أن مصادر الطاقة المتجددة ستتضاعف بأكثر من الضعف بحلول عام 2040، بينما سيزداد الطلب على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 50٪، ووقود الطائرات بنسبة تزيد عن 30٪، وسيبقى إنتاج النفط فوق 100 مليون برميل يومياً بعد عام 2040. كما أشار إلى أن النفط سيلعب دوراً متزايداً في إنتاج المواد، بالإضافة إلى استخدامه في قطاع النقل.
بالإضافة إلى ذلك، سلط الضوء على الحاجة إلى تحرير رأس المال الكامن في البنية التحتية الحالية للطاقة، لتمويل مشاريع جديدة وضمان استدامة الإمدادات. وقد أيد دوغ بورجوم، وزير الداخلية الأمريكي ورئيس مجلس الهيمنة على الطاقة الوطنية، هذا الطرح، مؤكداً على أهمية “إضافة الطاقة” بدلاً من مجرد “التحول” من مصادر الطاقة التقليدية.
دور الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة الطاقة
حظي الذكاء الاصطناعي باهتمام كبير خلال المؤتمر، حيث أشاد العديد من المتحدثين بقدرته على تحقيق مكاسب كبيرة في الكفاءة التشغيلية والتخطيط في قطاع النفط والغاز. وقد أشاروا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تحسين عمليات الاستكشاف والإنتاج، وتقليل التكاليف، وتحسين السلامة.
في المقابل، ركزت قمة “طاقة الصحراء” على تطوير مستقبل جديد للطاقة في الشرق الأوسط يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقد ناقش المشاركون في القمة الفرص المتاحة للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة، وكيف يمكن لهذه المشاريع أن تساهم في تحقيق أهداف الاستدامة.
الاستثمار في الغاز الطبيعي ومراكز البيانات
شهدت مناقشات الغاز الطبيعي تحولاً في التصنيف، حيث لم يعد يُنظر إليه كوقود “انتقالي” بل كوقود “نهائي”، وفقاً لتصريحات لورينزو سيمونيلي، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة بيكر هيوز. ويرجع هذا التحول إلى الدور المتزايد للغاز الطبيعي في تلبية الطلب العالمي على الطاقة، وخاصة في قطاع توليد الكهرباء.
بالإضافة إلى ذلك، سلطت قمة “طاقة الصحراء” الضوء على الفرص الهائلة المتاحة في مجال مراكز البيانات المستدامة. مع التوسع السريع في البنية التحتية الرقمية في منطقة الشرق الأوسط، وزيادة الطلب على خدمات الحوسبة السحابية، هناك حاجة متزايدة إلى مراكز بيانات جديدة. وقد أشار المشاركون إلى أن المنطقة تتمتع بمزاومات تنافسية، مثل تكلفة الطاقة المتجددة المنخفضة، وتوفر الأراضي، والبيئة التنظيمية الداعمة، لجذب الاستثمارات في هذا المجال.
وقد قدمت القمة تقريراً بعنوان “مراكز البيانات: المستهلكون الجدد للطاقة النظيفة”، والذي يحدد المواقع المحتملة لإنشاء مراكز بيانات مستدامة في المنطقة، مثل NEOM في المملكة العربية السعودية، ومنطقة سلاﻻح الحرة في سلطنة عُمان، وحرم جامعة أبوظبي للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى مواقع أخرى في الكويت وقطر والأردن.
بشكل عام، تشير التطورات الأخيرة في قطاع الطاقة إلى وجود مسارين متوازيين في الشرق الأوسط: أحدهما يركز على الاستثمار في البنية التحتية التقليدية للطاقة، والآخر يسعى إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة وبناء مستقبل أكثر استدامة. ومن المرجح أن يشهد هذا التوازن بعض التغيرات في السنوات القادمة، مع تطور التكنولوجيا وتغير الظروف الاقتصادية والسياسية.
من المتوقع أن تصدر منظمة أوبك تقريرها السنوي حول آفاق النفط العالمية في الربع الأول من عام 2026، والذي سيتضمن تحديثات حول توقعات الطلب على النفط والاستثمار المطلوب لتلبية هذا الطلب. وستمثل هذه التطورات نقطة محورية لتقييم مستقبل الطاقة في المنطقة والعالم.





