تواجه القواعد الرقمية الأوروبية ضغوطًا من الولايات المتحدة مقابل تخفيف الرسوم الجمركية، في تطور يختبر تصميم الاتحاد الأوروبي على تطبيق قوانين المنافسة الرقمية. جاءت هذه التطورات خلال محادثات ثنائية في بروكسل، حيث تسعى واشنطن إلى تعديل تطبيق هذه القواعد على شركات التكنولوجيا الكبرى الأمريكية، في مقابل تخفيف القيود التجارية على بعض المنتجات الأوروبية. وتأتي هذه المحادثات في ظل استمرار التوترات التجارية بين الجانبين.

الاجتماع الذي عُقد يوم الاثنين بين مسؤولين أوروبيين وأمريكيين هو الأول منذ اتفاق الاتحاد الأوروبي على فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على بعض المنتجات الأوروبية في يوليو، بالتزامن مع وعود أمريكية بشراء الطاقة والأسلحة والاستثمار بشكل كبير في الولايات المتحدة. تتركز الخلافات الحالية حول تطبيق قوانين المنافسة الرقمية، وتحديدًا قانون الأسواق الرقمية (DMA) وقانون الخدمات الرقمية (DSA).

ضغوط أمريكية لتخفيف القواعد الرقمية

مارغريت فيستاغر، المفوضة الأوروبية السابقة للمنافسة، أكدت على ضرورة التمسك بالقواعد الرقمية الأوروبية، مشيرة إلى أنها ليست موجهة ضد أحد بل تهدف إلى ضمان سوق عادلة. وأضافت أن هذه القواعد تضمن سلامة الخدمات الرقمية للمواطنين الأوروبيين، وهو أمر أساسي لأي ديمقراطية.

تطالب إدارة ترامب بتطبيق أكثر مرونة لقانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مقابل تخفيف الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب والألومنيوم الأوروبي، والتي تصل حاليًا إلى 50%. تهدف واشنطن إلى تحقيق “نهج متوازن” في تطبيق هذه القواعد، وفقًا لتصريحات هوارد لوتنيك، وزير التجارة الأمريكي.

ومع ذلك، يرى مسؤولون أوروبيون أن قضايا الصلب والألومنيوم والقواعد الرقمية يجب التعامل معها كملفات منفصلة. ويؤكدون أن القواعد الأوروبية لا تميز ضد الشركات الأمريكية، بل تنطبق على جميع الشركات العاملة في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بغض النظر عن أصلها.

قانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية: نظرة عامة

يهدف قانون الأسواق الرقمية (DMA) إلى الحد من قوة أكبر منصات الإنترنت، بينما يركز قانون الخدمات الرقمية (DSA) على تنظيم المحتوى عبر الإنترنت وحماية المستخدمين. وقد لعبت فيستاغر دورًا محوريًا في إدخال هذه القوانين حيز التنفيذ خلال فترة عملها كمفوضة أوروبية.

أكدت المفوضة الأوروبية للشؤون التقنية، هينا فيرككونن، على أهمية هذين القانونين، مما يشير إلى أن المفوضية ليست مستعدة لتعديلهما بشكل كبير في الوقت الحالي. وتعتبر هذه القوانين جزءًا أساسيًا من استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتنظيم الفضاء الرقمي.

المفاوضات الجارية وتأثيرها على التجارة

أجرى ماروش شيفتشيفيتش، رئيس المفوضية الأوروبية للتجارة، محادثات مع هوارد لوتنيك وجاميسون جريير، الممثل التجاري الأمريكي. ركز لوتنيك على ضرورة “إعادة تقييم” طريقة تطبيق السياسات الرقمية الأوروبية إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في الحصول على مزيد من التخفيفات الجمركية.

تسعى بروكسل بشكل عاجل إلى الحصول على تخفيض في الرسوم الجمركية البالغة 50% التي فرضتها إدارة ترامب على الألومنيوم والصلب الأوروبي في يونيو، تحت ضغط من الصناعة. ويرى الجانب الأمريكي أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يسعى إلى “إيجاد نهج متوازن” يرضي الطرفين.

هذا الخلاف يتعلق أيضًا بمسألة الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان وصول عادل لشركاتها إلى السوق الأوروبية. ويشكل تبادل الآراء حول هذه القضايا جزءًا من الجهود الأوسع لتعزيز العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

يركز الخلاف على تطبيق القواعد التي تهدف إلى تعزيز الابتكار في السوق الرقمي وتقديم خيارات أكثر للمستهلكين، وتقليل احتكار الشركات الكبرى.

من المتوقع أن تستمر المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة، مع التركيز على إيجاد حلول مقبولة للطرفين في ملفات الرسوم الجمركية والقواعد الرقمية. يراقب خبراء التجارة عن كثب هذه المحادثات لتقييم تأثيرها على التجارة العالمية والسياسات التنظيمية في القطاع الرقمي، مع وجود حالة من عدم اليقين بشأن النتائج النهائية. تبقى النقطة الأساسية هي ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيحافظ على موقفه بشأن القواعد الرقمية، أم سيقدم تنازلات للوصول إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.

شاركها.