كشفت دراسة حديثة أن إتقان لغات متعددة قد يكون له تأثير وقائي على صحة الدماغ والجسد، حيث يبطئ عملية الشيخوخة البيولوجية. وأظهرت الأبحاث أن التحدث بأكثر من لغة مرتبط بتحسين الوظائف الإدراكية وتقليل خطر الأمراض التنكسية العصبية، مما يساهم في إطالة العمر الصحي. وتشير النتائج إلى أن التعدد اللغوي يمكن أن يكون استراتيجية بسيطة وفعالة لتعزيز الصحة العامة مع التقدم في العمر.

أجريت الدراسة، التي نُشرت في مجلة “نيتشر إيجينغ” في العاشر من نوفمبر 2025، من قبل باحثين في كلية ترينيتي في دبلن، أيرلندا. حلل الباحثون بيانات شملت أكثر من 86 ألف مشارك من مختلف أنحاء أوروبا، بهدف فهم العلاقة بين تعدد اللغات والشيخوخة البيولوجية. وقد حظيت هذه النتائج بتغطية واسعة النطاق، بما في ذلك تقرير نشره موقع يوريك أليرت.

تأثير التعدد اللغوي على الشيخوخة البيولوجية

ركزت الدراسة على مفهوم “فجوة العمر السلوكي الحيوي”، وهو مقياس الفرق بين العمر الزمني للشخص وعمره البيولوجي الفعلي. فالفجوة السلبية تشير إلى أن الشخص يبدو أصغر سناً وأكثر صحة، بينما الفجوة الإيجابية تعني شيخوخة متسارعة. وقد استخدم الباحثون نماذج ذكاء اصطناعي متطورة لتقييم هذا المؤشر بناءً على مجموعة متنوعة من البيانات الصحية والسلوكية.

ووفقاً للنتائج، فإن الأشخاص الذين يتحدثون لغتين أو أكثر يميلون إلى إظهار فجوة عمر سلبية أكبر، مما يشير إلى أنهم يتمتعون بصحة أفضل مقارنة بأقرانهم من متحدثي اللغة الواحدة. ووجد الباحثون أن الأفراد من البلدان التي يشيع فيها التحدث بلغات متعددة كانوا أقل عرضة بنسبة 2.17 مرة لتجربة شيخوخة متسارعة. يشير هذا إلى أن التعرض للغات المختلفة قد يوفر نوعاً من التحفيز المعرفي الذي يحمي الدماغ من التدهور المرتبط بالعمر.

الآليات البيولوجية المحتملة

لا يزال الباحثون يستكشفون الآليات البيولوجية الدقيقة التي تربط بين التعدد اللغوي والشيخوخة الصحية. إلا أن هناك عدة فرضيات مطروحة، منها زيادة الاحتياطي المعرفي، وتعزيز الاتصال العصبي، وتحسين وظيفة الدماغ التنفيذية. بالإضافة إلى ذلك، قد يساهم التعدد اللغوي في تحسين الصحة القلبية الوعائية وتقليل الالتهابات المزمنة، وهما عاملان مهمان في عملية الشيخوخة.

أهمية التعليم والنشاط البدني

لم يقتصر تأثير الصحة الجيدة على التعدد اللغوي فحسب؛ بل سلطت الدراسة الضوء أيضاً على أهمية عوامل أخرى قابلة للتعديل، مثل التعليم والنشاط البدني. فالأفراد المتعلمون والذين يمارسون الرياضة بانتظام كانوا أيضاً أقل عرضة لإظهار علامات الشيخوخة المبكرة. ومع ذلك، يبدو أن التعدد اللغوي يقدم فائدة إضافية ومتميزة، حتى بعد أخذ هذه العوامل في الاعتبار.

وصرحت الدكتورة لوسيا أموروسو، المؤلفة المشاركة في الدراسة من مركز الباسك للإدراك والدماغ واللغة في إسبانيا: “كان التأثير الوقائي تراكمياً، فكلما زاد عدد اللغات التي يتحدثها الناس، زادت حمايتهم من التدهور المرتبط بالشيخوخة”. فيما أكد الدكتور هيرنان هيرنانديز، المؤلف المشارك من معهد صحة الدماغ في أمريكا اللاتينية، على أن التعدد اللغوي يمثل أداة سهلة المنال ومنخفضة التكلفة لتعزيز الشيخوخة الصحية.

تثير هذه النتائج تساؤلات مهمة حول السياسات التعليمية والصحية. فربما يكون تشجيع تعلم اللغات في المراحل المبكرة من الحياة وسيلة فعالة لتعزيز الصحة الدماغية والجسدية على المدى الطويل. كما تدعو الدراسة إلى مزيد من البحث لفهم الآليات البيولوجية التي تكمن وراء هذه العلاقة، وتحديد الفئات الأكثر استفادة من التعدد اللغوي.

من المتوقع أن يستمر الباحثون في تحليل البيانات الواردة من هذه الدراسة، واستكشاف العوامل الأخرى التي قد تؤثر على العلاقة بين اللغة والشيخوخة. كما يخططون لإجراء دراسات مستقبلية تتضمن مجموعات سكانية أكثر تنوعاً، لتأكيد النتائج وتعميمها على نطاق أوسع. هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة لتحديد ما إذا كان تعلم لغة جديدة في سن متقدمة يمكن أن يحقق نفس الفوائد الوقائية التي يوفرها التعدد اللغوي المبكر.

شاركها.