بدأت أعمال البحث عن جثامين الشهداء في قطاع غزة اليوم السبت، وذلك بعد توقف دام أكثر من عامين، في ظل ظروف إنسانية صعبة ونقص حاد في المعدات. تأتي هذه الخطوة، التي تقودها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نتيجة اتفاقات دولية تهدف إلى المساعدة في إنجاز ملف انتشال الجثامين العالق تحت الأنقاض، وهي قضية تؤثر بشكل كبير على آلاف العائلات الفلسطينية.
وأفاد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني، الرائد محمود بصل، بأن الفرق المختصة بدأت المرحلة الأولى من العمليات في المناطق الوسطى والجنوبية من القطاع، مع تخصيص ساعات محدودة لبدء العمل في مدينة غزة. وأكد أن المهمة تتميز بالتعقيد الشديد والحساسية العالية نظراً للظروف المأساوية التي أدت إلى تراكم أعداد كبيرة من الضحايا تحت الركام.
تحديات تواجه عمليات انتشال الجثامين
يواجه فريق الدفاع المدني تحديات جمة في مهمتهم، أبرزها النقص الحاد في الآليات الثقيلة والمعدات اللازمة. حتى الآن، لم يتم توفير سوى حفار واحد للبدء في عمليات الحفر، وهو ما اعتبره بصل “خطوة مهمة ولكنها غير كافية” بالنظر إلى حجم الدمار الهائل.
بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن الاحتلال كان يستهدف الحفارات والبواجر بشكل مباشر في فترات سابقة، مما أدى إلى توقف العمليات منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وقد اضطرت الفرق للاكتفاء بتسجيل الشهداء تحت الأنقاض رسمياً، مع علمها بوجود آلاف الجثامين في أماكن يتعذر الوصول إليها.
مخاطر فنية وإنسانية
لا يقتصر التحدي على نقص المعدات، بل يمتد ليشمل المخاطر الفنية والإنسانية التي تهدد حياة أفراد الطواقم العاملة. ويشمل ذلك وجود مخلفات متفجرة، وخزانات وقود، وأنابيب غاز قد تؤدي إلى انفجارات مفاجئة أثناء الحفر.
كما أن تحديد ساعات أو مناطق معينة للعمل بالحفار الوحيد قد يثير إشكاليات اجتماعية ونفسية. يتساءل السكان عن أسباب تفضيل بعض المناطق على أخرى، وهو ما يتطلب – وفقًا لبصل – توزيعًا عادلاً للجهود يراعي حساسية هذا الملف الإنساني.
وتشكل عملية التعرف على هويات الضحايا تحديًا كبيرًا آخر، خاصة بعد مرور فترات طويلة على دفنهم. يتطلب ذلك آليات دقيقة للتوثيق وإجراءات خاصة لضمان كرامة الضحايا ومساعدة عائلاتهم على تحديد مصير أبنائهم. وذكرت مصادر طبية أن تحديات فحص الـ DNA تزيد الوضع صعوبة.
مشاركة دولية متزايدة
أبدت العديد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة، استعدادها للمشاركة في عمليات انتشال الجثامين. ويرى المسؤولون أن هذه المشاركة المتزايدة يمكن أن تساهم في تسريع وتيرة العمل وتخفيف العبء عن فرق الدفاع المدني المحلية.
وصرح بصل أن هناك حاجة ماسة إلى توفير ما لا يقل عن 20 حفارًا لكي تتمكن الطواقم من تحقيق تقدم ملموس في إخراج الضحايا من تحت الأنقاض، مشيرًا إلى أن الاعتماد على حفار واحد يجعل العملية بطيئة وغير فعالة. ويعتبر هذا الأمر من ضمن أولويات التحرك الدولي.
وفي سياق متصل، تبحث الجهات المعنية مع الدول المانحة توفير التمويل اللازم لشراء معدات إضافية وتغطية النفقات التشغيلية لعمليات البحث والإنقاذ. تتضمن هذه المعدات أجهزة كشف عن المتفجرات، وأجهزة تحديد المواقع، ومعدات الحماية الشخصية.
وتأتي هذه الجهود في ظل استمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه، بالإضافة إلى الأضرار اللاحقة بالبنية التحتية. وتعطّل عمليات البحث عن المفقودين يعمق من معاناة الأهالي.
من المتوقع أن تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم تقرير مفصل عن سير العمليات في غضون الأسابيع القليلة القادمة، مع التركيز على التحديات التي تواجه الفرق العاملة والاحتياجات اللازمة لتسريع وتيرة العمل. كما من المنتظر أن تتواصل الجهات المعنية مع سفراء الدول المساهمة لتأمين الدعم اللازم لإنجاز هذه المهمة الإنسانية.






