حذرت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من مخاطر الاعتماد على السياسة النقدية كحل لأزمات الديون المتصاعدة في منطقة اليورو، وذلك في رد مباشر على الدعوات المتزايدة من بعض الأطراف السياسية لعودة برامج شراء الأصول واسعة النطاق. يأتي هذا التحذير في وقت تواجه فيه العديد من الاقتصادات الأوروبية ضغوطاً متزايدة بسبب ارتفاع مستويات الدين العام وتصاعد المخاطر المالية العالمية.
أدلت لاغارد بهذه التصريحات خلال مشاركتها في الاجتماع الأوروبي للجنة الثلاثية في فيينا يوم السبت. وأكدت على أن التاريخ يظهر أن محاولات الحكومات للضغط على البنوك المركزية لتمويل ديونها غالباً ما تكون لها عواقب وخيمة. ولم تذكر لاغارد أي دولة بعينها، لكن تصريحاتها جاءت في أعقاب مطالبات من قادة سياسيين في فرنسا وإيطاليا بتدخل البنك المركزي الأوروبي.
التحذير من مخاطر السياسة النقدية وتأثيرها على الديون
أشارت لاغارد إلى أن القلق بشأن تمويل الديون من خلال السياسة النقدية يزداد بشكل خاص عندما تكون مستويات الدين العام مرتفعة، وهو ما تشهده حالياً العديد من الدول الأوروبية. وشددت على أهمية الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية، مؤكدة أن تدخلها لتمويل الديون الحكومية قد يقوض هذه الاستقلالية ويعرض الاستقرار المالي للخطر.
مطالبات فرنسية وإيطالية بالتدخل
في فرنسا، دعا جوردان بارديلا، زعيم حزب اليمين المتطرف، إلى مناقشة الدين الفرنسي مع البنك المركزي الأوروبي، بينما طالبت مارين لوبان، سلفته، في العام الماضي باستئناف التيسير الكمي لتمويل الاستثمارات المتعلقة بالمناخ. وبالمثل، حث وزراء في إيطاليا بشكل متكرر البنك المركزي الأوروبي على خفض أسعار الفائدة أو تنفيذ برامج التيسير الكمي لدعم النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، يرى محافظو البنوك المركزية أن الاعتماد المفرط على السياسة النقدية ليس حلاً مستداماً. وبدلاً من ذلك، يدعون الحكومات إلى التركيز على الإصلاحات الهيكلية والضبط المالي لتعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الديون.
الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية هيكلية
أكدت لاغارد على ضرورة تبني إجراءات تعزز اقتصاد منطقة اليورو، مشيرة إلى أن المماطلة في هذا الصدد قد تؤدي إلى ضياع فرص النمو. ودعت الحكومات إلى خفض مستويات الدين العام، مع التركيز على الإنفاق الذي يدعم النمو المحتمل والأولويات الاستراتيجية الأساسية.
وأوضحت أن القواعد المالية الأوروبية توفر مرونة في الإنفاق لتحفيز النشاط الاقتصادي، لكن القليل من الدول تستفيد بشكل كامل من هذه الإمكانية. كما أكدت على أهمية تجميع الموارد الأوروبية لتعزيز الاستثمار والنمو. ووفقاً لتصريحاتها، يجب أن يهدف الإنفاق إلى زيادة الإنتاجية، مما يعزز النمو المحتمل ويساهم في بناء نموذج اجتماعي أوروبي أكثر قوة واستدامة.
بالإضافة إلى السياسة النقدية، يركز النقاش أيضاً على الاستقرار المالي و النمو الاقتصادي في منطقة اليورو. وتشير التقارير إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى تفاقم أزمة الديون في بعض الدول، بينما يرى آخرون أن الإصلاحات الهيكلية هي الحل الوحيد لتحقيق نمو مستدام.
في الختام، من المتوقع أن يستمر البنك المركزي الأوروبي في مراقبة مستويات الدين العام والوضع المالي في منطقة اليورو عن كثب. من المرجح أن يعتمد مسار السياسة النقدية المستقبلية على تطورات الوضع الاقتصادي والمالي، بالإضافة إلى التقدم المحرز في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية. سيراقب المراقبون عن كثب قرارات البنك المركزي الأوروبي القادمة، والمقرر عقدها في [تاريخ محتمل]، لتقييم مدى استجابته للضغوط المتزايدة من الحكومات والأسواق.




