تشهد المنطقة العربية تصاعدًا مقلقًا في نقص الغذاء، حيث عانى ما يقرب من 198 مليون شخص من مستويات جوع حادة أو متوسطة خلال العام الماضي. يأتي هذا في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الصراعات، مما يهدد الأمن الغذائي والاستقرار الإقليمي.

وكشف تقرير مشترك صادر عن ست منظمات أممية أن الدول العربية تواجه أعلى مستويات للفقر منذ عقدين، وأن 77.5 مليون شخص، أي ما يعادل 16% من سكان المنطقة، يعانون من الجوع الحاد. ويعزى هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة، بما في ذلك النزاعات المسلحة في اليمن والسودان وقطاع غزة، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية العالمية.

تفاقم أزمة نقص الغذاء في العالم العربي

لم تقتصر أسباب تفاقم أزمة نقص الغذاء على الصراعات فحسب، بل ساهمت أيضًا عوامل اقتصادية مثل تباطؤ النمو، وتراجع قيمة العملات المحلية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وتزايد أعباء الديون. وتشير البيانات إلى أن الحصول على غذاء صحي أصبح بعيد المنال بالنسبة لـ 186 مليون شخص، أي ما يقارب 40% من سكان المنطقة العربية.

وصرح عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، بأن هذه الأرقام تمثل “سابقة مقلقة” وتتعارض مع أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، التي تهدف إلى القضاء على الجوع. وأضاف أن المنطقة العربية تبتعد عامًا بعد آخر عن تحقيق هذا الهدف.

مؤشرات الأمن الغذائي وسوء التغذية

أوضح الواعر في مقابلة تلفزيونية أن قياس الجوع يتضمن جانبين رئيسيين: الأمن الغذائي، الذي يتعلق بتوفر الغذاء، والقدرة على شرائه. بينما يركز قياس سوء التغذية على الحصول على غذاء صحي ومتوازن. وتقدر تكلفة الحصول على غذاء صحي بـ 4.3 دولارات للشخص يوميًا، وهو مبلغ يتجاوز القدرة الشرائية للعديد من الأفراد في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه الدول العربية تحديات في الحفاظ على الدعم الغذائي، وتوفير الحماية الاجتماعية، وتعزيز الإنتاج المحلي من الغذاء. وتشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء، سواء كان حادًا أو متوسطًا، قد ارتفع بنسبة 65% مقارنة بمستويات عام 2015.

غياب العدالة الاجتماعية كعامل رئيسي

على الرغم من دور الصراعات في تفاقم أزمة الجوع، إلا أن غياب المساواة داخل البلد الواحد يمثل عاملاً رئيسيًا أيضًا. فقد أشار الواعر إلى أن سكان المناطق الريفية والنائية يواجهون صعوبات في الحصول على الغذاء الصحي بسبب ارتفاع الأسعاره أو عدم وصول سلاسل الإمداد إليهم بشكل فعال. وهذا يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.

الأمن الغذائي يتأثر أيضًا بتغير المناخ والجفاف وندرة المياه، مما يزيد من هشاشة النظم الغذائية في المنطقة. وتعاني العديد من الدول العربية من صعوبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، مما يجعلها أكثر عرضة للصدمات الخارجية وتقلبات الأسعار العالمية.

الحلول المقترحة لمواجهة الأزمة

للتغلب على هذه الأزمة الخطيرة، يرى الواعر أنه يجب على الحكومات التركيز على تعزيز منظومات الحماية الاجتماعية، ومعالجة التفاوت الطبقي بشكل أكثر إنصافًا، لضمان حصول الجميع على الحد الأدنى من الغذاء الصحي. كما يجب زيادة الاستثمار في البحث العلمي لتطوير تقنيات زراعية ذكية تزيد من الإنتاج المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات زيادة الإنفاق على الدعم الحكومي للمزارعين، وتحسين البنية التحتية الزراعية، وتشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي. ويرى الواعر أن الغذاء الصحي يجب أن يُنظر إليه على أنه حق أساسي وليس مجرد رفاهية، وذلك للحد من انتشار التقزم والهزال والسمنة والأمراض المزمنة.

من المتوقع أن تستمر المنظمات الأممية في مراقبة الوضع الغذائي في المنطقة العربية عن كثب، وتقديم الدعم اللازم للدول المتضررة. وستصدر الفاو تقريرًا تفصيليًا في الربع الأول من عام 2026 يتضمن تحليلاً معمقًا لأسباب أزمة نقص الغذاء، وتقديم توصيات للحلول المستدامة. وستعتمد فعالية هذه الحلول على التزام الحكومات والجهات المعنية بتنفيذها بشكل كامل وشفاف.

شاركها.