أثارت تصريحات حديثة لمسؤول كبير في شركة مايكروسوفت مخاوف بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا فكرة تطوير أنظمة تتجاوز القدرات البشرية. فقد أكد مصطفى سليمان، رئيس قطاع الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، أن التركيز يجب أن ينصب على تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يدعم القيم الإنسانية وخدمتها، بدلاً من السعي نحو بناء ذكاء اصطناعي “فائق” لا يمكن السيطرة عليه. جاءت هذه التصريحات في مقابلة مع برنامج “Silicon Valley Girl Podcast” ونشرها موقع “Business Insider” في 17 نوفمبر 2025.

وتلقي هذه التصريحات الضوء على انقسام متزايد داخل مجتمع الذكاء الاصطناعي حول المخاطر المحتملة والفوائد المرجوة من تطوير أنظمة متقدمة للغاية. وحسب سليمان، فإن الذكاء الاصطناعي الفائق يمثل تحديًا وجوديًا، نظرًا لصعوبة احتواءه أو توجيهه بما يتماشى مع المصالح الإنسانية، كونه كيانًا لا يشعر ولا يخضع لأي رادع أخلاقي أو عملي.

مخاوف متزايدة حول الذكاء الاصطناعي الفائق

تأتي تحذيرات سليمان في وقت تشهد فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورات سريعة، مدفوعة باستثمارات ضخمة من قبل الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل. وتتركز هذه الاستثمارات بشكل كبير على تطوير نماذج لغوية كبيرة وقادرة على أداء مهام معقدة، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تجاوز هذه النماذج للذكاء البشري في المستقبل القريب.

ويشير الخبراء إلى أن تطوير الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence – AGI) – وهو النوع القادر على فهم وتعلم وتنفيذ أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها – قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، بما في ذلك فقدان السيطرة على الأنظمة الذكية التي قد تتخذ قرارات تتعارض مع القيم الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يتزايد القلق بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، والتهديدات الأمنية المحتملة من استخدامه في تطوير أسلحة ذاتية التشغيل.

تباين الرؤى بين رواد الذكاء الاصطناعي

ومع ذلك، لا يشارك جميع رواد الذكاء الاصطناعي هذه المخاوف. فعلى سبيل المثال، يرى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، أن تطوير الذكاء الاصطناعي الفائق يمثل فرصة هائلة لتحسين حياة البشرية، من خلال تسريع الاكتشافات العلمية وعلاج الأمراض المستعصية وحل المشكلات العالمية. ويؤكد ألتمان أن “أوبن إيه آي” ملتزمة بتطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وآمنة، مع التركيز على تحقيق أقصى فائدة للمجتمع.

ويبرز هذا التباين في الرؤى الفرق الجوهري بين نهجي مايكروسوفت وأوبن إيه آي. بينما تسعى مايكروسوفت إلى تطوير ذكاء اصطناعي يكمل القدرات البشرية ويدعمها، فإن أوبن إيه آي تضع هدف إنشاء ذكاء اصطناعي فائق كأولوية قصوى. ويرى البعض أن هذا الاختلاف يعكس وجهات نظر فلسفية مختلفة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي ومكانة الإنسان فيه.

تداعيات تصريحات سليمان وتأثيرها على اتجاهات التطوير

تعتبر تصريحات سليمان بمثابة تحذير صارخ للشركات التقنية وصناع السياسات، داعية إلى إعادة النظر في الاستراتيجيات المتبعة في تطوير الذكاء الاصطناعي. وينبغي أن يتضمن ذلك وضع معايير أخلاقية وقانونية صارمة لضمان سلامة هذه التقنيات وحماية المصالح الإنسانية. كما يجب أن يشمل ذلك تعزيز البحث والتطوير في مجال أمان الذكاء الاصطناعي (AI Safety) لتحديد المخاطر المحتملة والتخفيف من آثارها السلبية.

وعلى الرغم من أهمية هذه التحذيرات، لا يزال هناك جدل واسع حول كيفية تحقيق التوازن بين الابتكار والسلامة في مجال الذكاء الاصطناعي. فمن ناحية، هناك حاجة إلى تشجيع البحث والتطوير في هذا المجال الحيوي للاستفادة من الفوائد المحتملة. ومن ناحية أخرى، هناك ضرورة لوضع ضوابط صارمة لمنع سوء استخدام هذه التقنيات وحماية المجتمع من مخاطرها المحتملة. ويعد التعلم الآلي والبحث في نماذج أكثر قابلية للتفسير من العناصر الأساسية التي يتم استكشافها لتجنب النتائج غير المقصودة.

من المتوقع أن تستمر هذه المناقشات في السنوات المقبلة، مع تسارع وتيرة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي. وسيشهد الربع الأول من عام 2026 نشر تقرير مفصل من قبل مجموعة خبراء دولية حول المخاطر والفرص المرتبطة بالذكاء الاصطناعي الفائق، والذي قد يؤثر بشكل كبير على اتخاذ القرارات المتعلقة بتنظيم هذا المجال. يبقى التحدي الأكبر هو بناء مستقبل للذكاء الاصطناعي يخدم الإنسانية ويعزز ازدهارها، بدلاً من أن يمثل تهديدًا لوجودها.

شاركها.