شهدت أسواق الأسهم الأمريكية تقلبات حادة خلال جلسة الخميس، مع تراجع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا والعملات المشفرة، وذلك بالتزامن مع زيادة القلق بشأن مستقبل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. يأتي هذا الانخفاض بعد فترة من الارتفاع، حيث أثار الأداء المخيب للآمال لبعض الأصول ارتفاع المخاوف من تصحيح أوسع في السوق. وتراجع سعر البيتكوين إلى ما دون 87,000 دولار، مسجلاً أدنى مستوى له منذ شهر أبريل، مما زاد من الضغوط على المستثمرين.
أظهرت الجلسة بيعًا مكثفًا في أسهم النمو، والتي كانت في طليعة الارتفاعات الأخيرة في وول ستريت. وقد تأثرت هذه الأسهم بشكل خاص بتصاعد الشكوك حول قدرة الاحتياطي الفيدرالي على الاستمرار في خفض أسعار الفائدة، وهي خطوة كانت قد ألمحت إليها في السابق. وتزامنت هذه التطورات مع تقييمات قوية لشركة نفيديا، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتعويض الخسائر في السوق بشكل عام.
تقلبات البيتكوين وتأثيرها على أسواق الأسهم
أظهرت الأحداث الأخيرة مدى ارتباط أسواق الأسهم بالعملات المشفرة، وخاصة البيتكوين. فقد أوضح ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في “إنترأكتيف بروكرز”، أن البيتكوين أصبحت بمثابة مؤشر بديل للمضاربة، حيث يستخدمها العديد من المستثمرين كمقياس للمخاطرة في السوق. وقد أثبتت هذه العلاقة صحتها عندما تسبب انخفاض سعر البيتكوين في موجة بيع في أسهم التكنولوجيا.
وعلى الرغم من أن أسواق المال قد رفعت قليلاً رهاناتها على خفض الفائدة في اجتماع ديسمبر، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لتهدئة المخاوف. فقد ارتفعت احتمالية خفض الفائدة إلى 35%، مقارنة بنحو 20% قبل صدور البيانات الاقتصادية. في المقابل، انخفض عائد سندات الخزانة لأجل عامين بمقدار ثلاث نقاط أساس إلى 3.56%، بينما تذبذب سعر الدولار.
مخاوف بشأن تقييمات شركات التكنولوجيا
بالإضافة إلى تأثيره على أسعار الفائدة، تزايد القلق بشأن التقييمات المرتفعة لشركات التكنولوجيا. فقد أشار فؤاد رزاق زاده من “سيتي إندكس” إلى أن موسم الأرباح قد انتهى تقريبًا، ولم يرَ المستثمرون محفزات جديدة كافية لتبرير هذه التقييمات. كما أثيرت تساؤلات حول استدامة الطلب على التكنولوجيا خارج نطاق شركة نفيديا.
توقع خبراء أن المستثمرين قد بدأوا في تذكر “قوانين الجاذبية” بعد فترة طويلة من الصعود في أسعار الأسهم. وأشار آدم فيليبس من “إي بي ويلث أدفايزرز” إلى أن هذا قد يشير إلى تصحيح صحي في السوق، حيث يعيد المستثمرون تقييم المخاطر. كما نفى فيليبس فكرة وجود فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، لكنه اعترف بوجود “توقعات مبالغ فيها” للعديد من الشركات الناشئة في هذا المجال.
تأثير بيانات سوق العمل
أدت بيانات سوق العمل الأمريكية الأخيرة إلى تعزيز حالة عدم اليقين بشأن سياسة الفائدة. فقد تجاوز نمو الوظائف التوقعات في شهر سبتمبر، لكن معدل البطالة استمر في الارتفاع، مما يشير إلى وجود تناقضات في الاقتصاد. وعلى الرغم من ذلك، لم تقدم هذه البيانات تحفيزًا كافيًا لخفض الفائدة، حيث يرى العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أن البيانات لا تزال تشير إلى قوة الاقتصاد.
وتوقع البعض أن بيانات الوظائف في أكتوبر قد تكون أضعف، مما قد يؤدي إلى زيادة الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. ومع ذلك، فهذا لا يزال غير مؤكد، وسيعتمد القرار النهائي على البيانات الاقتصادية المستقبلية.
تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي
أكدت تصريحات العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي على الحاجة إلى توخي الحذر في اتخاذ قرار بشأن خفض أسعار الفائدة. فقد حذر مايكل بار من أن البنك المركزي يحتاج إلى التحرك بحذر، بينما أشارت بيث هاماك إلى أن خفض الفائدة قد يؤدي إلى إطالة فترة بقاء التضخم فوق الهدف. وأظهرت المحاضر الأخيرة للاجتماع الفيدرالي أن هناك انقسامًا داخل اللجنة بشأن توقيت ومستوى خفض الفائدة.
في الختام، تواجه أسواق الأسهم الأمريكية حالة من عدم اليقين نتيجة لتقلبات البيتكوين، ومخاوف بشأن تقييمات شركات التكنولوجيا، وبيانات سوق العمل المتضاربة. من المتوقع أن يراقب المستثمرون عن كثب البيانات الاقتصادية المستقبلية وتصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي لتقييم فرص خفض أسعار الفائدة. وستظل أسواق المال عرضة للتقلبات حتى تتضح الرؤية الاقتصادية بشكل كامل.





