تواصل في مدينة إسطنبول التركية لليوم الثاني فعاليات ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثالث الذي ينظمه المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، بمشاركة واسعة من قيادات سياسية وأكاديميين وحقوقيين وممثلين عن التجمعات الفلسطينية من مختلف القارات. يهدف الملتقى، المنعقد تحت شعار “وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الإبادة والتهجير والضم”، إلى صياغة رؤية موحدة لمستقبل القضية الفلسطينية في ظل التحديات الراهنة، بما في ذلك الحرب في غزة والبحث عن حلول مستدامة للمستقبل. ويعد تحقيق وحدة الموقف الفلسطيني هدفًا رئيسيًا للمشاركين في هذه التظاهرة الهامة.
ويأتي انعقاد الملتقى في لحظة بالغة الدقة، تتزامن مع تطورات الحرب على غزة واستحقاقات إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، ومعالجة الانقسام الداخلي، ومناقشة أوضاع الفلسطينيين في الشتات. ويشارك في الملتقى نحو 220 شخصية فلسطينية من 28 دولة، ساعيةً إلى تشكيل قيادة فلسطينية موحدة قادرة على حماية المشروع الوطني وفتح آفاق سياسية جديدة تتجاوز حالة التشرذم الراهنة.
ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني
وفي جلسة حملت عنوان “ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق التوافق الوطني”، أجمع المتحدثون على أن تحسين الوحدة الفلسطينية بات ضرورة وجودية في ظل المحاولات المستمرة لتصفية الحقوق الوطنية. وأكدوا أن استمرار الانقسام يعيق التقدم ويعزز من سياسات الاحتلال، مشددين على أهمية التكاتف من أجل مواجهة هذه التحديات.
وقال أمين سر الهيئة العامة في المؤتمر الوطني الفلسطيني معين الطاهر إن المقاومة الفلسطينية قد أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث. وأضاف أن الإستراتيجية الوطنية المقبلة يجب أن ترتكز على تثبيت الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، ودعم المقاومة، وعزل الاحتلال دوليًا من خلال فضح جرائمه. وأشار إلى ضرورة مراجعة برامج الفصائل الفلسطينية لضمان التوافق والتعاون.
مواجهة التحديات الداخلية والخارجية
وأضاف الطاهر أن تعدد الفصائل الفلسطينية يتطلب مراجعة نقدية لبرامجها وأدائها، مؤكداً على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية في إطار ديمقراطي واسع. وأكد على وجوب التخلي عن الاشتراطات التي يفرضها الاحتلال.
من جهته، قال الكاتب والأكاديمي خالد الحروب إن “التجزئة في البيت الفلسطيني هي الثغرة التي يتسلل منها الاحتلال لمنع قيام قيادة موحدة”. ودعا إلى إنهاء الانقسام باعتباره شرطًا أساسيًا لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي تستهدف نفي وجود الشعب الفلسطيني.
وفي محور آخر، أكد المتحدثون على أهمية دور الشتات الفلسطيني في دعم القضية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والإعلامي. وشددوا على ضرورة تفعيل هذا الدور لتعزيز التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني.
أهمية دور الشتات الفلسطيني
وفي جلسة بعنوان “رؤية وطنية مستقلة لإدارة غزة”، انتقل النقاش إلى أوضاع الأسرى والواقع الإنساني في القطاع بعد وقف إطلاق النار. تحدث أقدم أسير فلسطيني محرر ومبعد، نائل البرغوثي، عن الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى داخل سجون الاحتلال، والانتهاكات الممنهجة التي تصاعدت في السنوات الأخيرة.
وأكد البرغوثي على أن غياب جهة فلسطينية رسمية لمتابعة ملف الأسرى يفاقم معاناتهم. ودعا إلى تفعيل التحرك القانوني لمحاسبة الاحتلال، وإلى فتح أبواب الدول العربية والإسلامية أمام الأسرى المبعدين، وتوحيد الخطاب الإعلامي في دعم المقاومة وحقوق الأسرى. وشدد على أن قانون الإعدام الإسرائيلي بحقهم “لن يكسر عزيمة شعبنا ولا إرادة مناضلينا خلف القضبان”.
كما قدم الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشرف القدرة، عرضًا بالأرقام يعكس حجم التدهور في القطاع الصحي تحت الحصار والحرب، مشيرًا إلى الإنجازات التي حققها الكادر الطبي رغم شح الموارد. ودعا إلى تشكيل هيئة وطنية للتعافي الصحي، وتوحيد الموقف الفلسطيني خلف إنقاذ المنظومة الطبية المهددة بالانهيار.
وأشار الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي، محمود يزبك، إلى أن صمود أهالي غزة أفشل مشاريع التهجير وكشف حقيقة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي.
وفي لفتة تقديرية، كرم منظمو الملتقى فيكتور لوغو، مستشار الرئيس الكولومبي لشؤون الشرق الأوسط، تقديرًا لموقف بلاده الداعم للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية. وأكد لوغو على أن أي تدخل دولي في غزة يجب أن يحترم إرادة الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
من المتوقع أن يختتم الملتقى فعالياته مساء اليوم السبت، حيث من المزمع إصدار بيان ختامي يتضمن توصيات تمثل خطة عمل للفترة المقبلة. وتشمل هذه الخطة التركيز على إعادة بناء الوحدة الوطنية، وتفعيل دور الشتات، وتبني آليات عملية لدعم صمود الشعب الفلسطيني. ويبقى السؤال مطروحاً حول مدى قدرة الأطراف الفلسطينية على ترجمة هذه التوصيات إلى خطوات ملموسة على الأرض، وما إذا كانت ستساهم في تحقيق الاستقرار السياسي والوحدة المنشودة.






