أعلنت الهيئة العليا للاتصال في مالي، يوم الجمعة، عن تعليق بث قناتي التلفزيون الفرنسيتين “إل سي آي” (LCI) والقناة الفرنسية الأولى (TF1) من جميع باقات البث داخل البلاد “حتى إشعار آخر”. يأتي هذا القرار في أعقاب اتهامات بالتحيز وطريقة غير مهنية في تغطية الأحداث الجارية في مالي، مما أثار جدلاً حول حرية الإعلام في البلاد وعلاقاتها مع الدول الغربية.

وقد اتخذت الهيئة هذا الإجراء بعد اجتماع لها في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، معلنةً أن القرار يستند إلى “مخالفات جسيمة للأخلاقيات المهنية وللنصوص القانونية المنظمة للإعلام”. وتعتبر هذه الخطوة تصعيداً في التوترات القائمة بين مالي وعدد من المؤسسات الإعلامية الغربية، وسط انتقادات متزايدة للقيود المفروضة على حرية التعبير.

الخلفية: اتهامات بالتضليل والتحريض على زعزعة الاستقرار

ركزت الهيئة العليا للاتصال في مالي بشكل خاص على برنامج “الملف الكبير” الذي بثته قناة “إل سي آي” في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، والذي أعادت القناة الفرنسية الأولى نشره لاحقًا، حيث حملت تلك التقارير عناوين مثل: “مالي، الجهاديون على أبواب باماكو” و”مالي، المعقل الجديد للقاعدة”. ترى الهيئة أن هذه العناوين والمحتوى المرافق لها يروج للإرهاب ويبث الخوف.

إضافة إلى ذلك، اتهمت الهيئة القناتين بنشر “افتراءات” بحق السلطات المالية والجيش، والتحريض على زعزعة الاستقرار، بالإضافة إلى نشر معلومات وصفتها بـ “الزائفة”. هذه الاتهامات ليست جديدة، حيث واجهت وسائل إعلام فرنسية أخرى اتهامات مماثلة في مالي في الماضي.

سلسلة من الإجراءات المتخذة ضد وسائل الإعلام الفرنسية

هذا القرار يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات المتخذة من قبل الهيئة العليا للاتصال في مالي ضد وسائل الإعلام الفرنسية خلال السنوات الأخيرة. في أبريل/نيسان 2022، سحبت الهيئة تراخيص راديو فرنسا الدولي (RFI) وفرانس 24، بعد اتهامها بتشويه صورة الجيش المالي وادعاءات بانتهاكه حقوق الإنسان.

وفي فبراير/شباط 2024، أوقفت قناة فرانس 2 بسبب “مخالفات جسيمة وأعمال ترويج للإرهاب”، وفقًا لبيان الهيئة. في أغسطس/آب 2024، علقت الهيئة بث قناة “إل سي آي” لمدة شهرين بسبب تصريحات لأحد ضيوفها اعتبرت مسيئة للجيش المالي وحلفائه. كما تم سحب تراخيص قناة “تي في 5 موند” (TV5 Monde) في مايو/أيار 2025، بتهمة “الانحياز” في تغطية احتجاجات سياسية.

هذه الإجراءات المتكررة أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والدفاع عن حرية الصحافة، التي ترى فيها محاولة لتقييد وصول الجمهور إلى المعلومات المستقلة وتقويض التغطية الإعلامية النقدية للحكومة. الوضع الأمني في مالي، والوجود المتزايد لمجموعات مسلحة، يعتبران من العوامل التي تزيد من حساسية التعامل مع التغطية الإعلامية.

الآثار المحتملة وتداعيات القرار

من المرجح أن يؤدي تعليق بث القناتين الفرنسيتين إلى مزيد من تدهور العلاقات بين مالي وفرنسا، خاصة في ظل التوترات القائمة حول الدور الفرنسي في منطقة الساحل. تعتبر فرنسا من أكبر المستثمرين في مالي وشريكًا رئيسيًا لها في مجالات التنمية والأمن.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا القرار إلى تقليل مصادر المعلومات المتاحة للجمهور المالي، مما يحد من قدرتهم على تكوين آراء مستنيرة حول القضايا الهامة. قد يدفع بعض المشاهدين إلى البحث عن مصادر بديلة للمعلومات، بما في ذلك وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى أو المنصات الرقمية. تعتبر المعلومات الموثوقة ضرورية لاستقرار أي مجتمع.

خطوات مستقبلية وتوقعات

من المتوقع أن تقوم الهيئة العليا للاتصال في مالي بمواصلة تطبيق الرقابة على وسائل الإعلام، بهدف حماية الأمن الوطني ومنع نشر المعلومات التي تعتبرها ضارة. لا يوجد حتى الآن جدول زمني محدد لرفع التعليق عن القناتين الفرنسيتين. يعتمد ذلك على مدى استجابة القناتين لمتطلبات الهيئة وتقديم ضمانات بعدم تكرار “المخالفات” المزعومة.

في الوقت نفسه، من المرجح أن تواصل المنظمات الدولية والمحلية الضغط على الحكومة المالية لضمان احترام حرية الإعلام والسماح للصحفيين بالعمل دون خوف من الانتقام. ستكون التطورات القادمة حاسمة في تحديد مستقبل الإعلام في مالي وتأثيرها على العلاقات مع الشركاء الدوليين.

شاركها.