تستعد السوق المالية السعودية لإطلاق مجموعة جديدة من المنتجات الاستثمارية، مع التركيز بشكل خاص على أدوات الدين والمشتقات المالية، وذلك في إطار خطط طموحة لتطوير السوق وتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية. يأتي هذا التطور تماشياً مع النمو الاقتصادي المتسارع الذي تشهده المملكة، وزيادة اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب بالأسهم السعودية.
وأكد خالد الحصان، الرئيس التنفيذي لمجموعة “تداول”، أن السوق السعودية تشهد أسرع مراحل تطورها منذ عقود، وتسعى جاهدة لابتكار منتجات مالية جديدة تلبي احتياجات المستثمرين المتغيرة، وتستعد لمرحلة توسع رقمي تعتمد على أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين. هذا التحول يهدف إلى زيادة السيولة، وتعميق السوق، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
توسع ملحوظ في حجم السوق والإدراجات الجديدة
شهدت السوق المالية السعودية نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عدد الشركات المدرجة من حوالي 100 شركة إلى أكثر من 380 شركة حالياً، موزعة على سوقين رئيسيتين. وقد تجاوز إجمالي حجم السوق الآن 2.5 تريليون دولار أمريكي، مما يعكس الثقة المتزايدة في الاقتصاد السعودي.
وأشار الحصان إلى أن هذا التوسع يعزى إلى عدة عوامل رئيسية، بما في ذلك زيادة عدد المنتجات الاستثمارية المتاحة، والإدراجات الجديدة للشركات، وتكوين رؤوس الأموال. ومنذ عام 2018، تجاوزت الأموال التي تم جمعها من خلال الاكتتابات الأولية 130 مليار دولار، بالإضافة إلى التطورات الملحوظة في أدوات الدين والصناديق المتداولة والمشتقات.
اقرأ أيضاً: مراجعة ملكية الأجانب في الأسهم السعودية ستُحسم في 2026
وتشير البيانات إلى أن السوق السعودية تجذب بشكل متزايد اهتمام المستثمرين الأجانب، حيث ارتفعت ملكياتهم إلى أكثر من 110 مليار دولار، مع تسجيل أكثر من 4400 مستثمر أجنبي. يعكس هذا التوجه جاذبية السوق السعودية كوجهة استثمارية واعدة.
استيفاء المعايير العالمية لجذب الاستثمارات
أكد الحصان على أن السوق المالية السعودية تلتزم بأعلى المعايير العالمية، وأنها تعمل باستمرار على تطوير مؤشراتها لتتوافق مع المؤشرات العالمية الرائدة. وقد انضمت السوق السعودية بالفعل إلى غالبية مؤشرات الأسهم العالمية، وبدأت في تطبيق معايير مماثلة على أدوات الدين.
اقرأ أيضاً: قطاع البنوك الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية في البورصة السعودية
وأضاف أن المستثمرين الدوليين أصبحوا أكثر ثقة من أي وقت مضى في جودة البنية التحتية التشريعية والتقنية للسوق السعودي. وتسعى المملكة إلى تسهيل وصول جميع المستثمرين، المقيمين والأجانب، إلى السوق دون الحاجة إلى استيفاء شروط المستثمر المؤهل، وهي خطوة ستزيد من السيولة وتعمق السوق.
محاور تطوير المنتجات الاستثمارية في السوق المالية السعودية
تتركز جهود تطوير المنتجات الاستثمارية الجديدة في السوق المالية السعودية حول ثلاثة محاور رئيسية. أولاً، تطوير سوق أدوات الدين، التي تعتبر حيوية للقطاع الخاص والحكومي في توفير التمويل اللازم للمشاريع التنموية. ويشمل ذلك تطوير السوق الثانوية وزيادة عمق التداولات في هذا القطاع.
ثانياً، تطوير سوق المشتقات المالية، من خلال تعديل الهيكل التشغيلي للمشتقات وإضافة أدوات جديدة تعزز سيولة سوق الأسهم وتزيد من قدرة المستثمرين على التحوط وتنويع استراتيجياتهم الاستثمارية.
اقرأ أيضاً: “صندوق الاستثمارات العامة” و”بلاك روك” يطلقان صناديق للأسهم السعودية والدخل الثابت
وثالثاً، الاستفادة من البيانات كأصل استثماري قائم بذاته. وقد استثمرت مجموعة “تداول” بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للبيانات، التي تعتبر عنصراً أساسياً لزيادة عمق السوق وتعزيز قدرتها التنافسية على المستوى العالمي.
الاستثمار في التقنيات الحديثة
أوضح الحصان أن مجموعة “تداول” أنشأت شركة “وامض” قبل ثلاث سنوات لتكون الذراع الابتكارية للمجموعة في مجالات التقنية. وتركز “وامض” على دراسة وتطبيق أحدث التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين والأصول الرقمية والتعلم الآلي، بهدف مواكبة التغيرات العالمية والاستعداد للمستقبل.
وقد استحوذت “وامض” على شركة “DirectFN” ووقعت أكثر من 13 اتفاقية تقنية مع شركات عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا المالية.
علاقة السوق المالية السعودية بالاقتصاد الوطني
يرى الحصان أن السوق المالية السعودية تعكس بشكل دقيق أداء الاقتصاد الوطني، وأن التغيرات الإيجابية التي تشهدها السوق هي دليل على الازدهار الاقتصادي الذي تشهده المملكة. ويعتبر رؤية 2030 نقطة تحول رئيسية، حيث تضاعفت القيمة السوقية بشكل كبير بعد بدء تطبيق الرؤية، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار الأسهم، بل أيضاً بسبب حجم الإصدارات الجديدة.
وقد أشاد رئيس “MSCI” بسرعة إدراج السوق السعودية في مؤشرات “MSCI”، واصفاً إياها بأنها الأسرع في تاريخ المؤشرات الذي يمتد لأكثر من 20 عاماً.
تدفقات رأس المال العالمية نحو الشرق الأوسط
أشار الحصان إلى أن هناك تحولاً عالمياً في تدفقات رأس المال نحو الشرق الأوسط وآسيا، وأن المملكة العربية السعودية تستفيد بشكل كبير من هذا التوجه. ويعود ذلك إلى الطلب المتزايد من الصناديق العالمية على النمو والاستقرار، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل تراجع معدلات الفائدة، وتهدئة التوترات التجارية، والتغيرات في مراكز الثقل الاقتصادي العالمي.
وأضاف أن هناك خروجاً ملحوظاً للأموال من أوروبا باتجاه الأسواق الناشئة الأكثر ديناميكية، وأن السعودية تحتل مكانة بارزة في هذه الأسواق.
من المتوقع أن تستمر السوق المالية السعودية في التطور والنمو في السنوات القادمة، مع إطلاق المزيد من المنتجات الاستثمارية الجديدة، وتطبيق أحدث التقنيات، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها، مثل تقلبات أسعار النفط، والتغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية، والمخاطر الجيوسياسية. سيراقب المستثمرون عن كثب التقدم المحرز في تنفيذ رؤية 2030، وتأثير ذلك على أداء السوق والاقتصاد السعودي.




