منذ بدأ الذكاء الاصطناعي التوليدي يتصدر عناوين الأخبار في عام 2022، ضخ المستثمرون أموالهم في شركة “إنفيديا”، مُقتنعين بأن مكانتها الرائدة في أجهزة الذكاء الاصطناعي ستجلب لهم الثروات.

وقد آتى هذا الرهان ثماره بسخاء، فقد وصلت قيمة الشركة السوقية إلى 5 تريليونات دولار في أواخر أكتوبر، وهي في طريقها للإبلاغ عن دخل صافٍ هذا العام يفوق مجموع مبيعات منافستيها الرئيسيتين. وتشير موجة من استثمارات مراكز البيانات بمليارات الدولارات في الأشهر الأخيرة إلى أن حمى الذكاء الاصطناعي ما تزال في صعود.

كيف تعيد “إنفيديا” تعريف الشركات الكبيرة؟

لكن الارتفاع الهائل في أسعار الأسهم – والطبيعة المشكوك فيها لبعض صفقات الذكاء الاصطناعي – ترك بعض أهل القطاع يتساءلون عما إذا كان كل شيء يحدث بسرعة كبيرة. وهناك مخاوف من أنه عندما تستقر الأمور، لن يكون هناك ما يكفي من العمل المربح لتبرير النفقات الضخمة على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

رفض رئيس “إنفيديا” التنفيذي جينسن هوانغ المخاوف من أن الذكاء الاصطناعي فقاعة ستنفجر في النهاية. لقد كان يجول حول العالم في محاولة لكسب السياسيين الذين ما زالوا متشككين حيال هذه التقنية وليضغط من أجل إزالة قيود الأمن القومي التي تمنع “إنفيديا” من بيع أقوى رقائقها وأكثرها ربحية في الصين – أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم.

ما هي رقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر شيوعاً من “إنفيديا”؟

المنتج الأكثر ربحية لشركة “إنفيديا” حالياً هو مجموعة “بلاكويل” من مُسرعات الذكاء الاصطناعي، والتي سميت على اسم عالم الرياضيات ديفيد بلاكويل، أول باحث أسود دخل الأكاديمية الوطنية للعلوم.

كما هو الحال مع مجموعة “هوبر” التي سبقتها، كُيفت “بلاكويل” من وحدات معالجة الرسومات المستخدمة في ألعاب الفيديو. وهي تأتي بأشكال مختلفة، تتراوح من “البطاقات” الفردية إلى مصفوفات الكمبيوتر الضخمة.

ما أهمية شريحة “بلاكويل” من “إنفيديا” للذكاء الاصطناعي؟

تتضمن كل من “هوبر” و”بلاكويل” تقنية تحول مجموعات أجهزة الكمبيوتر المجهزة برقائق “إنفيديا” إلى وحدات فردية يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات وإجراء العمليات الحسابية بسرعات عالية.

يجعلها هذا مناسبةً تماماً للمهمة التي تتطلب طاقة كبيرة لتدريب الشبكات العصبية التي تدعم أحدث جيل من منتجات الذكاء الاصطناعي. وقد ضبطت “إنفيديا” منتجاتها للتعامل بشكل أفضل مع الاستدلال، حيث تحدد منصة الذكاء الاصطناعي الأشياء من خلال خصائصها المشتركة – على سبيل المثال، التمييز بين قطة وكلب. ويتزايد الطلب على هذه القدرة مع لجوء مزيد من الناس إلى الذكاء الاصطناعي للمساعدة في مجموعة متزايدة من المهام.

تقدم الشركة التي يقع مقرها في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا “بلاكويل” في مجموعة متنوعة من الخيارات، بما في ذلك كجزء من الشريحة العملاقة (GB200)، التي تجمع بين وحدتي معالجة رسوميات “بلاكويل” مع وحدة معالجة مركزية واحدة “غريس” (Grace) – قلب الكمبيوتر الذي ينفذ تعليمات البرنامج. (سُميت وحدة المعالجة المركزية “غريس” أيضاً باسم “غريس هوبر”).

ما الذي يميز شرائح الذكاء الاصطناعي من “إنفيديا”؟

كانت “إنفيديا”، التي تأسست عام 1993، بالفعل ملكة وحدات معالجة الرسوميات، وهي المكونات التي تولد الصور التي تراها على شاشة الكمبيوتر. أقوى هذه المعالجات مبنية بآلاف من أنوية المعالجة التي تؤدي عمليات حسابية متعددة ومتزامنة. وهذا يسمح لها بإنتاج عروض ثلاثية الأبعاد معقدة مثل الظلال والانعكاسات التي تعد سمة من سمات ألعاب الفيديو سريعة الوتيرة.

أدرك مهندسو “إنفيديا” في أوائل العقد الأول من هذا القرن أنه يمكنهم إعادة تصميم هذه المكونات لتطبيقات أخرى. وفي الوقت نفسه، اكتشف باحثو الذكاء الاصطناعي أنه يمكن أخيراً جعل عملهم عملياً باستخدام هذا النوع من الرقائق.

“إنفيديا” ليست الرابحة الوحيدة من الطلب على الذكاء الاصطناعي

تتعلم منصات الذكاء الاصطناعي التوليدية مهام مثل ترجمة النصوص وتلخيص التقارير وتوليف الصور من خلال استيعاب كميات هائلة من المواد الموجودة مسبقاً. كلما استوعبت المزيد، كان أداؤها أفضل. إنها تتطور من خلال التجربة والخطأ، وتجري مليارات المحاولات لتحقيق الكفاءة وتستهلك كميات هائلة من قوة الحوسبة في هذا المسار.

تقدم شرائح “بلاكويل” أداءً أعلى بمرتين ونصف من أداء “هوبر” في تدريب الذكاء الاصطناعي، وفقا لشركة “إنفيديا”. ويحتوي التصميم الجديد على كثير من الترانزستورات – المفاتيح الصغيرة التي تمنح أشباه الموصلات قدرتها على معالجة المعلومات – بحيث لا يمكن إنتاجه تقليدياً كوحدة واحدة. إنه في الواقع شريحتان متصلتان ببعضهما البعض من خلال اتصال يضمن عملهما بسلاسة كوحدة واحدة، وفقاً للشركة.

بالنسبة للعُملاء الذين يتسابقون لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم لأداء مهام جديدة، فإن ميزة الأداء التي توفرها شرائح “هوبر” و”بلاكويل” أمر بالغ الأهمية. ينظر إلى المكونات على أنها أساسية لتطوير الذكاء الاصطناعي لدرجة أن الحكومة الأميركية قيدت بيعها لمنافستها الاستراتيجية الصين.

ماذا يفعل منافسو “إنفيديا”؟

تسعى شركة “أدفانسد مايكرو ديفايسز” (Advanced Micro Devices) و “إنتل” جاهدتين لمُضاهاة قدرات منتجات الذكاء الاصطناعي من “إنفيديا”. لكن حالياً، تسيطر الشركة على حوالي 90% من سوق وحدات معالجة الرسومات لمراكز البيانات، وفقا لشركة أبحاث السوق “آي دي سي” (IDC).

إن الافتقار إلى المنافسة الموثوقة هو مصدر قلق لعملاء الحوسبة السحابية لشركة “إنفيديا” وهم “أمازون دوت كوم” و”جوجل” التابعة لـ”ألفابت” و”مايكروسوفت”، الذين يستجيبون من خلال محاولة تطوير الرقائق داخلياً لعمليات الحوسبة السحابية لديهم.

مؤسس “إنفيديا” الملياردير يجني ثمار هوس الذكاء الاصطناعي

في معرض “كومبيوتكس” (Computex) التجاري في تايوان في مايو، أشارت “إنفيديا” إلى استعدادها لاستيعاب تحركات بعض العملاء لإنتاج مكوناتهم الرئيسية الخاصة، حيث أعلن هوانغ أن العمود الفقري لخادم “إن في لينك” (NVLink) لديها – وهو مجموعة مكونات تعمل كرابط عالي السرعة بين الرقائق الرئيسية في الكمبيوتر – سيتم فتحه لمنتجات من شركات أخرى. في السابق، كانت هذه التقنية مخصصة فقط لمعالجات “إنفيديا” ورقائق التسريع لديها.

وقعت “أدفانسد مايكرو ديفايسز”، أقرب منافسات “إنفيديا” في رقائق الرسومات، اتفاقية لتزويد “أوبن إيه آي”، الشركة التي أنتجت “تشات جي بي تي”، بمجموعة ضخمة من مسرعات الذكاء الاصطناعي الجديدة من إنتاجها. أشارت هذه الاتفاقية، والاتفاقية مع “أوراكل” إلى أن “أدفانسد مايكرو ديفايسز” اكتسبت بعض المصداقية كبديل لـ”إنفيديا”.

كيف تظل “إنفيديا” متقدمة على منافساتها؟

حدثت “إنفيديا” معروضاتها، بما يشمل برامج دعم الأجهزة، بوتيرة لم تتمكن أي شركة أخرى من مُجاراتها. كما ابتكرت الشركة أيضاً أنظمة عنقودية تُساعد العملاء على شراء الرقائق بكميات كبيرة واستخدامها بسرعة. يواصل هوانغ حضوره المكثف في المعارض التقنية وفعاليات الشركات حول العالم للترويج لعروضه الجديدة وشراكاته.

التزمت “إنفيديا” بتقديم منتجات رائدة جديدة سنوياً لسنوات قادمة، ما يعكس ما يصفه هوانغ بالتزام غير مسبوق بتعزيز الابتكار في هذه الصناعة. تعدّ هذه التعهدات بمثابة تحذير للمنافسين بأنهم يحاولون اللحاق بقطار منطلق.

كيف يصمد الطلب على شرائح الذكاء الاصطناعي؟

صرّح هوانغ وفريقه مراراً أن الشركة لديها طلبات أكثر مما تستطيع تلبيته، حتى بالنسبة للطرز القديمة. في أواخر أكتوبر، وفي مؤتمر للشركة في واشنطن العاصمة، توقعت إنفيديا إيرادات تبلغ حوالي 500 مليار دولار من وحدة مركز البيانات التابعة لها على مدى الأرباع الخمسة المقبلة. أجبر ذلك حتى أكثر المحللين تفاؤلاً على رفع تقديراتهم، وساهم في إضافة 400 مليار دولار إلى القيمة السوقية لشركة “إنفيديا” في أسبوع واحد.

أعلنت “مايكروسوفت” و”أمازون” و”ميتا بلاتفورمز” و”جوجل” عن خطط لإنفاق مئات المليارات من الدولارات بشكل جماعي على الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات لدعمه. وقد قامت شركة “أوبن إيه آي” بعمليات شراء متسلسلة لقوة الحوسبة التي سيتم نشرها في المستقبل القريب. ويستمر البناء الهائل للذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة في مواجهة المخاوف من أن حالات الاستخدام الأساسية للتقنية قد لا تبرر بعد مثل هذه الاستثمارات الضخمة.

كيف تقارن “أدفانسد مايكرو ديفايسز” و”إنتل” مع “إنفيديا” في رقائق الذكاء الاصطناعي؟

كشفت “أدفانسد مايكرو ديفايسز”، ثاني أكبر شركة مصنعة لرقائق رسومات الكمبيوتر، عن نسخة من خط “إنستنكت” (Instinct) الخاص بها في عام 2023 تستهدف السوق الذي تهيمن عليه “إنفيديا”.

ستطلق نسخة جديدة ومحسنة هي (MI450) العام المقبل وقد ضُمنت فعلاً في خطط “أوراكل” و”أوبن إيه آي”. وقد قدرت الرئيسة التنفيذية ليزا سو، وهي عادة واحدة من أقل قادة عالم التقنية مبالغةً، أن سوق رقائق الذكاء الاصطناعي لشركتها سيبلغ مئات المليارات من الدولارات.

“إنفيديا” تستثمر 5 مليارات دولار في “إنتل”

أما “إنتل”، التي تُهيمن على معالجات الحواسيب طيلة غالبية تاريخ “إنفيديا”، تعيد إطلاق محاولتها لدخول سوق مسرّعات الذكاء الاصطناعي. يركّز فريق إداري جديد على جمع الأموال لدعم ميزانيتها العمومية، وليس لدى “إنتل” منتجٌ منافسٌ تزمع طرحه قبل عامٍ على الأقل.

في غضون ذلك، تنخرط “إنتل” مع “إنفيديا”، مُقرّةً بأنّ الشراكة مع الشركة الرائدة الجديدة في الصناعة أكثر منطقية من محاولة منافستها. ستظهر قريباً رقائق جديدة لأجهزة الكمبيوتر ومراكز البيانات، وهي مزيجٌ من منتجات “إنتل” و”إنفيديا”، ما يفتح أسواقا كانت مغلقةً سابقاً أمام منتجات “إنفيديا”.

آثار المشهد الجيوسياسي على شركات الذكاء الاصطناعي

بذلت الحكومتان الأميركية والصينية جهوداً أكبر بكثير من منافسي “إنفيديا” لإحداث تأثيرٍ سلبيٍّ على مبيعات الشركة. في أبريل، صرّحت “إنفيديا” بأنّها ستخفّض مخزونها بمقدار 5.5 مليار دولار بسبب الحظر الأميركي على توريد شريحة (H20) لشركات في الصين. وشريحة (H20) هي شريحةٌ ذات قدراتٍ مخفّضة مصمّمةٌ لتجاوز القيود الأميركية السابقة على المبيعات في الصين.

رئيس إنفيديا: أميركا تحتاج إلى الدهاء للتفوق على الصين في الذكاء الاصطناعي

أعطت الولايات المتحدة لاحقاً لشركة “إنفيديا” الضوء الأخضر لاستئناف مبيعات (H2O)، لكن بعد ذلك ردت الحكومة في بكين بأن أبلغت الشركات الصينية بتجنب عروض “إنفيديا”.

سافر هوانغ إلى واشنطن لمحاولة إقناع الرئيس دونالد ترمب بأن مزيد من الأعمال التجارية مع الصين مُفيد للأمن القومي الأميركي. ويحاجج بأنه إذا لم توفر الشركات الأميركية اللبنات الأساسية للذكاء الاصطناعي، فإن دولاً أخرى – وأبرزها الصين عبر شركات مثل “هواوي تكنولوجيز” – ستتدخل وهذا سيُهدد الريادة التقنية الأميركية.

لقد اكتسبت وجهة النظر تأثيراً بين الساسة في واشنطن، وقد ذكر الرئيس منتجات “إنفيديا” بالاسم وتحدث عن مناقشتها مع نظرائه الصينيين. لكن حتى الآن لم يكن هناك اتفاق ملموس يسمح لشركة “إنفيديا” بالبيع للصين مجدداً.

شاركها.