يثير تشكيك المحكمة العليا في لجوء الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى صلاحياته الواسعة لتبرير فرض رسوم جمركية شاملة، حالة من الغموض قد تمتد لأشهر بالنسبة للشركات التي تدفع كلفة هذه الرسوم فعلياً.
وإن كان شركاء الولايات المتحدة التجاريون، سواء من أبرموا اتفاقات أو ما زالوا في طور التفاوض، يواجهون بدورهم حالة الغموض نفسها، إلا أنهم يدركون أن ترمب سيلجأ على الأرجح إلى أدوات بديلة لفرض ضرائب على الواردات، إذا ما اعتُبر استخدامه لقانون “الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية” لعام 1977 مخالفاً للدستور.
|
الصلاحيات القانونية المتاحة لترمب لفرض رسوم جمركية خارج إطار قانون الطوارئ الاقتصادية
في حال أبطلت المحكمة العليا استخدام قانون “الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية” (IEEPA)، فهناك ما لا يقل عن خمس أدوات قانونية أخرى يمكن اللجوء إليها لفرض الرسوم الجمركية
|
||||
| البند القانوني |
سبب فرض الرسوم |
هل يتطلب تحقيقاً من وكالة فدرالية؟ |
الحد الزمني للإجراء |
الحد الأقصى لنسبة الرسوم |
| البند 232 |
تهديد للأمن القومي |
نعم، من وزارة التجارة |
لا يوجد |
لا يوجد |
| البند 201 | ضرر يلحق بالصناعة المحلية |
نعم، من لجنة التجارة الدولية |
أربع سنوات، قابلة للتمديد حتى 8 سنوات |
زيادة بنسبة 50%، يتطلب تخفيضاً تدريجياً بعد عام |
| البند 301 |
تمييز ضد الشركات الأميركية أو انتهاك حقوقها في اتفاقات التجارة |
نعم، من الممثل التجاري الأميركي |
أربع سنوات، قابلة للتمديد دون حد أقصى |
لا يوجد |
| البند 122 |
مشكلة في المدفوعات الدولية |
لا | 150 يوماً، قابلة للتمديد بموافقة الكونغرس |
15% |
| البند 338 |
تمييز ضد التجارة الأميركية |
لا | لا يوجد |
50% |
| المصدر: خدمة البحوث في الكونغرس، بلومبرغ | ||||
من المتأثرون المحتملون؟
كانت الهند والصين من أكبر الدول المستهدفة في قائمة الرسوم الجمركية الأميركية، فيما طالت البرازيل رسوم مرتفعة، وشكّلت سويسرا هدفاً مفاجئاً.
اقرأ أيضاً: المحكمة العليا تبت في قدرة ترمب على زعزعة الاقتصاد العالمي
وبحسب بلومبرغ إيكونوميكس، من شأن صدور حكم واسع من المحكمة العليا ضد إدارة ترمب أن يؤدي إلى خفض متوسط الرسوم الفعلية في الولايات المتحدة إلى 6.5%، وهو أدنى مستوى يُسجَّل منذ إعلان ترمب في الثاني من أبريل عن رسوم “يوم التحرير” التي طالت عشرات الدول.
يُذكر أن متوسط الرسوم الفعلية يختلف عن المعدلات المعلنة رسمياً، إذ يكون عادة أقل بسبب الإعفاءات والرسوم السابقة.
الصين
توصّل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ الأسبوع الماضي إلى اتفاق تجاري يقضي بخفض الرسوم الأميركية بنسبة 10%، مع تمديد تعليق رسوم أخرى كان تم التهديد بها، لمدة عام، ما وفّر قدراً من اليقين للشركات.
رغم ذلك، لا يزال بإمكان ترمب اللجوء إلى أدوات قانونية بديلة لفرض الرسوم الجمركية عند الحاجة، خصوصاً أن الخلافات الجوهرية بين القوتين الاقتصاديتين تتمحور حول السيطرة على منتجات استراتيجية، ما يعني أن التوترات لن تتبدد في المدى القريب.
وكانت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تراجعت للشهر السابع على التوالي، حيث هبطت الشحنات بأكثر من 25% في أكتوبر مقارنة بالعام الماضي، بحسب بيانات صدرت يوم الجمعة.
اقرأ أيضاً: ترمب: إلغاء المحكمة العليا للرسوم الجمركية سيكون “مدمراً لبلادنا”
قالت ترينه نغوين، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا الناشئة في “ناتيكسيس” (Natixis) إن “التوتر بين الولايات المتحدة والصين لم يعد حدثاً عابراً، بل أصبح اتجاهاً مستداماً، حتى في حال التهدئة. فمسألة التنويع لم تعد تتعلق فقط بالحسابات الجمركية، بل تعكس تحوّلاً جيوسياسياً لن يتغير. وعلى الشركات أن تسارع إلى بناء سلاسل توريد أكثر تنوعاً.”
يشكّك بعض الباحثين الصينيين في قدرة المحكمة العليا على كبح ترمب، نظراً للصلاحيات التنفيذية الواسعة التي يتمتع بها. ورغم تغطية وسائل الإعلام الصينية الرسمية الواسعة لموضوع تشكيك قضاة المحكمة العليا بمشروعية الرسوم، فقد أجمعت أنه من المستبعد أن تبطل المحكمة سياسات ترمب الجمركية بالكامل.
كما أشارت التقارير إلى تصريحات سابقة لوزير الخزانة سكوت بيسنت، أكد فيها أن الحكومة الأميركية تعتزم الإبقاء على مستويات الرسوم الحالية.
ولم تعلّق وزارة التجارة الصينية حتى يوم الخميس على سؤال حول القضية.
شمال آسيا
سجّلت تايوان قفزة لافتة في صادراتها إلى الولايات المتحدة هذا العام، مدفوعة بازدهار قطاع الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يُستبعد أن تتأثر كثيراً بقرار المحكمة العليا المرتقب، نظراً إلى أن العديد من المعدات التقنية المتقدمة معفاة أصلاً من الرسوم الأميركية.
وبالمثل، لا يُتوقع أن يطرأ الكثير من التغيير على العلاقات التجارية مع اليابان وكوريا الجنوبية . فاليابان أبرمت بالفعل اتفاقاً جمركياً واستثمارياً مع واشنطن، بينما اقتربت كوريا الجنوبية من التوقيع على الاتفاق النهائي. ومن المستبعد أن تتراجع أي من الدولتين عن هذه الاتفاقات التي استغرقت جهوداً مضنية للتوصل إليها.
اقرأ أيضاً: ترمب يعلن التوصل لاتفاق تجاري “ضخم” مع اليابان
وكتب خبراء “غولدمان ساكس” بقيادة أليك فيليبس ويان هاتسيوس في مذكرة تحليلية “نتوقع أن تلتزم معظم الدول التي أعلنت عن اتفاقات مع إدارة ترمب في وقت سابق هذا العام بهذه الاتفاقات، لتجنّب العودة إلى الغموض الجمركي”.
وأضافوا “لكن، بما أن الرسوم الجمركية يتحمّلها المستوردون الأميركيون وليس الشركاء التجاريون، قد لا يهم إذا كانت الدول الأخرى ترغب بالالتزام بالاتفاقات… السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تلجأ الإدارة الأميركية إلى صلاحيات قانونية بديلة لفرض الرسوم المتفق عليها ضمن تلك الاتفاقات، إلا أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام موجة جديدة من عدم اليقين”.
جنوب شرق آسيا
تدفقات التجارة من جنوب شرق آسيا قد تكون أكثر تأثّراً، إذ سجلت صادرات فيتنام وتايلاند وغيرها من الدول ارتفاعاً هذا العام، مدفوعة جزئياً بمحاولات الشركات استباق الرسوم الأميركية. وإذا ما جرى خفض هذه الرسوم أو إلغاؤها، فقد يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من تدفق السلع إلى السوق الأميركية.
اقرأ أيضاً: وضع إطار الاتفاق التجاري بين أميركا وفيتنام بعد إعلان رسوم بـ 20%
مع ذلك، يظلّ الأثر الفعلي غير واضح، نظراً لأن قسماً كبيراً من هذه الصادرات يتركّز في قطاع أشباه الموصلات. ورغم أن هذه المنتجات لا تزال معفاة من الرسوم حالياً، فإن هذا الوضع قد يتغيّر، لا سيما مع تلويح ترمب بفرض رسوم جديدة على هذه الواردات، قد تصل نسبتها إلى 300%.
الهند
تخوض الهند مفاوضات مع الولايات المتحدة لخفض الرسوم الجمركية المفروضة عليها البالغة 50%، والتي تُعدّ من الأعلى مقارنة بالدول الأخرى، بعدما استهدفتها إدارة ترمب بسبب مشترياتها من النفط الروسي. إلا أن الرئيس الأميركي خفّف من حدة انتقاداته في الأسابيع الأخيرة، وسعى الجانبان إلى تهدئة التوترات، ما عزز الآمال بقرب التوصّل إلى اتفاق تجاري.
يرى مسؤولون في نيودلهي طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لسرية المناقشات أن صدور حكم من المحكمة العليا ضد ترمب لن يغيّر كثيراً في مسار المحادثات، إذ يمكن للبيت الأبيض استخدام أدوات بديلة لتحقيق أهدافه التجارية، سواء من خلال إجراءات تنفيذية مباشرة أو عبر فرض حواجز غير جمركية.
اقرأ أيضاً: الهند تحرز “تقدماً ملموساً” في مفاوضات التجارة مع الولايات المتحدة
قال أحد المسؤولين إن الخطوة القانونية أمام المحكمة العليا تمنح المفاوضين الهنود سبباً إضافياً للدفع باتجاه تضمين الاتفاق التجاري المرتقب بنوداً تتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية تكون ملزمة قانونياً. وأضاف أن صدور حكم ضد ترمب سيعزّز موقف نيودلهي في التمسك بمطالبها.
لم تستجب وزارة التجارة والصناعة الهندية على طلب للتعليق على الفور، فيما امتنعت وزارة الشؤون الخارجية عن التعليق.
أوروبا
توصل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في يوليو الماضي إلى اتفاق تجاري رفعت بموجبه واشنطن الرسوم الجمركية إلى 15% على معظم السلع الأوروبية، بما في ذلك السيارات.
في المقابل، وافقت بروكسل على إلغاء الرسوم المنخفضة المفروضة على السلع الصناعية الأميركية وبعض المنتجات الزراعية غير الحساسة، في مسعى لتجنّب نزاع تجاري مكلف مع أكبر شركائها التجاريين، وتأمين تعاون أمني حيوي في مواجهة التهديدات الروسية.
اقرأ أيضاً: رئيسة المفوضية الأوروبية تدافع عن اتفاق التجارة مع واشنطن
وصف مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي الاتفاق بأنه غير متكافئ، وتعرّض لانتقادات من عدد من الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي، وأخفق في إلغاء الرسوم العقابية المفروضة على بعض صادرات المعادن الأوروبية.
وتسعى المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد، إلى دفع إدارة ترمب نحو خفض الرسم الجمركي البالغ 50% على الصلب والألمنيوم، ومنع تمدده ليشمل مزيداً من المنتجات التي تدخل فيها هذه المعادن. في غضون ، يبحث النواب في البرلمان الأوروبي إدخال تعديلات على الاتفاق قبل المصادقة عليه، من بينها إدراج “بند انقضاء تلقائي” يحدد موعداً لانتهاء العمل به تلقائياً ما لم يُجدد.






