هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتجميد المساعدات لنيجيريا واتخاذ إجراء عسكري ما لم توقف حكومتها ما أسماه قتل “أعداد كبيرة جداً” من المسيحيين على يد الجهاديين.

تتردد مزاعم تعرض المسيحيين للاضطهاد في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا في الدوائر اليمينية في الولايات المتحدة منذ سنوات، وقد عزز ترمب هذه المزاعم خلال ولايته الأولى أيضاً. وتشير تعليقاته الأخيرة حول التدخل المحتمل إلى تصعيد في الخطاب.

يبلغ عدد سكان نيجيريا حوالي 230 مليون نسمة، منقسمة تقريباً بين شمال مسلم وجنوب مسيحي. وتواجه البلاد تحديات أمنية هائلة.

وسط تهديدات ترمب.. تعرف إلى اقتصاد نيجيريا عبر 5 رسوم بيانية

أحدثت الجماعات الجهادية فوضى في جميع أنحاء الشمال الشرقي، حيث قصفت وداهمت القرى والبلدات والقواعد العسكرية، وقتلت الآلاف؛ كما حولت عصابات الجريمة الاختطاف من أجل الفدية إلى حرفة مزدهرة، إذ تختطف ضحاياها من على جوانب الطرق ومن المدارس والمستشفيات؛ فيما تناحر الرعاة ومزارعو الحبوب على الوصول إلى الأراضي والمياه؛ واستهدف القراصنة السفن قبالة الساحل، مما أدى إلى تعطيل الشحن والتجارة. ونفى الرئيس بولا تينوبو استهداف أي جماعة دينية.

لماذا نيجيريا غير مستقرة إلى هذا الحد؟

تعاني نيجيريا من عدم مساواة شديدة. فبينما أنها واحدة من أكبر منتجي النفط في أفريقيا وغنية بالمعادن، إلا أن استخراج هذه المواد لم يستفد منه بشكل أساسي سوى نخبة سياسية ضئيلة. وقد أدى التنافس على الموارد النادرة مثل المياه والأرض، فضلاً عن انتشار العصابات الإجرامية المسلحة، إلى كثير من العنف العرقي والسياسي.

تقاتل جماعة بوكو حرام المسلحة -التي يعني اسمها بلغة الهاوسا “التعليم الغربي حرام”- لفرض مفهومها عن الشريعة الإسلامية على نيجيريا منذ عام 2009. واكتسبت الجماعة شهرة دولية في عام 2014، عندما اختطفت ما لا يقل عن 276 فتاة مراهقة من عنبر في بلدة شيبوك ذات الأغلبية المسيحية، لكنها استهدفت المدنيين من مختلف الأطياف الدينية.

نيجيريا تتجاهل تهديدات ترمب وتقرر إصدار سندات بقيمة 2.3 مليار دولار

في السنوات الأخيرة، طغى على جماعة بوكو حرام إلى حد كبير فرع يعرف باسم ولاية غرب أفريقيا التابع لتنظيم “داعش” الذي ظهر لأول مرة في عام 2016. وهاجم عشرات القواعد العسكرية المحصنة في نيجيريا على مدى عام 2025 باستخدام طائرات مسيّرة تجارية ومعدات رؤية ليلية استولت عليها.

وعلى الرغم من أن الحكومات النيجيرية المتعاقبة حاولت مواجهة المسلحين، إلا أن قواتها كانت منهكة بسبب التحديات الأمنية العديدة التي تمتد على مساحة شاسعة.

ماذا قال ترمب عن نيجيريا؟

في نهاية أكتوبر، أعلن ترمب أنه صنف نيجيريا على أنها “دولة مثيرة للقلق بشكل خاص”؛ وهو تصنيف أميركي للدول التي تعتبرها متورطة في انتهاكات خطيرة للحرية الدينية. وقال ترمب إن المسيحية تواجه “تهديداً وجودياً” في نيجيريا.

من الدول الأخرى التي تم تصنيفها على أنها دول مثيرة للقلق بشكل خاص الصين وروسيا وإيران. سبق لترمب أن وضع نيجيريا على قائمة المراقبة هذه خلال ولايته الأولى، لكن إدارة بايدن ألغت القرار.

في أوائل نوفمبر من هذا العام، زاد ترمب المخاطر التي تواجهها نيجيريا بأن هدد بقطع جميع المساعدات عنها فوراً وبأن يصدر تعليمات لوزارة الدفاع الأميركية للاستعداد لعمل عسكري محتمل “للقضاء على الإرهابيين الإسلاميين“. قال: “إنهم يقتلون المسيحيين ويقتلونهم بأعداد كبيرة جداً…لن نسمح بحدوث ذلك”.

هل يصمد اقتصاد نيجيريا أمام ضربة أميركية؟

كما لم يستبعد ترمب إمكانية شن غارات جوية أو إرسال قوات برية إلى نيجيريا. وهذا يزيد التناقض المتزايد بين خطابه خلال انتخابات العام الماضي، عندما شن حملة ضد الغارات العسكرية الأميركية في الخارج، وتهديداته المتزايدة بالتدخل الخارجي الآن بعد أن تولى منصبه.

لم يتضح ما الذي دفع ترمب إلى تحويل تركيزه إلى نيجيريا الآن. وكان السيناتور الجمهوري تيد كروز من بين الأصوات اليمينية التي حثت الحكومة على اتخاذ إجراء. في سبتمبر، قدم كروز مشروع قانون لمعاقبة المسؤولين النيجيريين الذين “يسهّلون العنف ضد المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى، بما في ذلك الجماعات الإرهابية الإسلامية”.

هل عنف نيجيريا يستهدف مسيحييها بشكل غير متناسب؟

في حين أن الدين هو أحد محركات العنف في نيجيريا، إلا أن مثل هذه الهجمات غالباً ما تتشابك مع التوترات العرقية والقائمة على الموارد. ويعزو محللون الجزء الأكبر من العنف في نيجيريا إلى الإجرام.

كان هناك ما يقرب من 12000 هجوم على المدنيين بين يناير 2020 وسبتمبر 2025 سببت مصرع أكثر من 20000 شخص، وفقاً لبيانات جمعتها منظمة مراقبة الصراع المستقلة ”أكليد“ (Acled). لكن تم تصنيف 5% فقط من هذه الهجمات على أنها ذات دوافع دينية صريحة، حيث قتل 317 مسيحياً و417 مسلماً.

كان الشمال ذو الأغلبية المسلمة هو الأكثر تضرراً من العنف الواسع النطاق في البلاد حيث يحصد قطاع الطرق في الشمال الغربي والإسلاميون في الشمال الشرقي آلاف الأرواح كل عام. وقد تحول الصراع إلى صراع ديني في وسط نيجيريا، حيث اشتبك الرعاة الرحل المسلمون في الغالب مع المزارعين المسيحيين في الغالب – على الرغم من أن الوصول إلى الأراضي والمياه هو السبب الجذري لمعظم تلك الاشتباكات طويلة الأمد.

يعكس العنف المتواصل فشل الحكومات المتعاقبة في حماية النيجيريين من جميع الأديان، وقد جعل أجزاء كبيرة من البلاد عديمة الجنسية فعلياً، وفقاً لتشيتا نوانزي، الشريك في شركة الأبحاث ”إس بي إم إنتيليجنس“ (SBM Intelligence) ومقرها لاغوس.

ما الآثار المالية لما يهدد به ترمب؟

يعيش أكثر من نصف النيجيريين تحت خط الفقر، وسيكون فقدان المساعدة المالية الأميركية بمثابة ضربة قوية للمستفيدين من البرامج الممولة من الولايات المتحدة. وقد تراجعت تدفقات المساعدات بشكل كبير منذ عودة ترمب إلى منصبه، حيث انخفضت من مليار دولار في عام 2023 -وهو آخر عام كامل تتوفر عنه بيانات- إلى حوالي 250 مليون دولار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية.

كما أن انتقادات ترمب الأخيرة لا تبشر بالخير لجهود الحكومة النيجيرية لإقناعه بخفض الرسوم الجمركية البالغة 15% المفروضة على صادرات البلاد. تردد القلق بشأن التداعيات المحتملة في الأسواق المالية. تراجعت سندات الدولار النيجيرية وعملتها النيرة بعد أن هدد ترمب بعمل عسكري.

يمثل تدهور معنويات المستثمرين انتكاسة كبيرة لتينوبو، الذي اتخذ خطوات صعبة لإصلاح الاقتصاد في محاولة لإنعاش النمو وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. وتشمل هذه الإجراءات إزالة دعم الوقود المكلف وتحرير سوق العملات.

كيف ردت حكومة نيجيريا على تعليقات ترمب؟

نشر تينوبو، وهو مسلم ومتزوج من قسيسة مسيحية، على منصة التواصل الاجتماعي ”إكس“ أن “وصف نيجيريا بأنها غير متسامحة دينياً لا يعكس واقعنا الوطني”.

وقال إن حكومته “حافظت على مشاركة منفتحة وفعالة مع القادة المسيحيين والمسلمين على حد سواء وتواصل معالجة التحديات الأمنية التي تؤثر على المواطنين من مختلف الأديان والمناطق“.

أضاف تينوبو أن إدارته ملتزمة بالعمل مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لحماية جميع الأديان.

شاركها.