نقلت وزارة الخزانة الأميركية أنباءً غير سارة في تقريرها النهائي للسنة المالية، مفادها أن الحكومة أنفقت أكثر من 7 تريليونات دولار في عام 2025، وجمعت فقط 5.2 تريليون دولار من الضرائب.
لسدّ هذه الفجوة، اقترضت 1.8 تريليون دولار، أي ما يعادل أكثر من ربع الإنفاق العام و6% من الناتج المحلي الإجمالي. وصف “غير مستدام” يبدو تلطيفاً لا يرقى لحجم المشكلة.
في واشنطن، حيث ينشغل الساسة بأزمة الإغلاق الحكومي الأخيرة، تغاضى كثيرون عن هذه الكارثة الوشيكة، غير أن هذا التغاضي لن يدوم طويلاً.
الدين الفيدرالي عند مستويات قياسية
مكتب الميزانية في الكونغرس توقّع مؤخراً مستويات الدين الفيدرالي خلال العقود القادمة، بافتراض بقاء القوانين الحالية كما هي، ثم قام بتقدير ما يمكن أن يتغير بناءً على سيناريوهات محتملة ضمن الإطار المعتاد. ووجد أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، التي بلغت أصلاً مستوى قياسياً بعد الحرب العالمية الثانية عند نحو 100%، في طريقها لتتجاوز 150% خلال العقود القادمة.
إذا جاءت أسعار الفائدة المستقبلية أعلى من المتوقع بمقدار 5 نقاط أساس سنوياً، فإن النسبة ستتجاوز 200%. أما إذا استمرت الإيرادات والنفقات حسب المتوسطات التاريخية، أي إنفاق اختياري يعادل 7% من الناتج المحلي وإيرادات عند نحو 17%، فإن النسبة ستتجاوز 225% بحلول عام 2050. (وبحلول عام 2055، تتجاوز النسبة النطاق الذي يمكن تمثيله بيانياً).
اقرأ أيضاً: هل أصبحت أزمة ديون أميركا عصية على الحل؟
جميع المؤشرات تنذر بالخطر. 3 من الصناديق الرئيسية للحكومة الفيدرالية تقترب من الإفلاس. صندوق الطرق السريعة، الممول من ضريبة الوقود، سينفد بحلول عام 2028. أما صندوق تقاعد الضمان الاجتماعي وصندوق تأمين المستشفيات التابع لـ”ميديكير”، وكلاهما ممول من ضرائب الدخل، فمتوقع نفادهما في عام 2032. وبموجب القوانين الحالية، فإن نفاد هذه الصناديق يفرض على الحكومة خفض الإنفاق على الطرق بنسبة 46%، ومدفوعات التقاعد بنسبة 24%، ومدفوعات “ميديكير” بنسبة 12%.
التجاهل يفاقم أزمة الدين الأميركية
صحيح أن التجربة الأخيرة تُشير إلى أن الكونغرس قد يتجاهل هذه القوانين ويواصل الاستدانة. لكن في هذه الحالة، سيبدأ المقرضون عاجلاً أم آجلاً في التشكيك بقدرة الحكومة على السداد الكامل، وسيطلبون أسعار فائدة أعلى لتعويض المخاطر.
هناك بالفعل ضغوط متوقعة على أسعار الفائدة بسبب الضغوط الديموغرافية (ارتفاع نسبة المعالين إلى العاملين)، إلى جانب الحاجة المتزايدة للاستثمار في الدفاع والطاقة النظيفة. وإذا أضيفت إلى ذلك علاوة مخاطرة مفاجئة، فقد تصطدم الاقتصاد بجدار مالي عنيف.
اقرأ أيضاً: “موديز” أكدت ما نعرفه مسبقاً عن ديون أميركا
العجز في الميزانية أصبح ضخماً إلى درجة أنه لا توجد حلول سهلة. لمجرد تثبيت الدين عند 100% من الناتج المحلي (دون حتى محاولة خفضه)، يجب تقليص العجز من 1.8 تريليون دولار إلى نحو 1.3 تريليون، أي زيادات ضريبية أو خفض نفقات بقيمة 500 مليار دولار سنوياً (ما يعادل زيادة ضريبية بنسبة 10% عبر جميع الفئات). وحتى هذا الهدف المتواضع لا يكفي: فمستوى دين عند 100% من الناتج المحلي لا يترك للحكومة أي مساحة مالية للتعامل مع الركود أو الطوارئ المستقبلية.
كل عام تأخير في التعامل مع هذه الأزمة يجعل الحل أصعب. لا بد للبيت الأبيض والكونغرس من الاستفاقة على جسامة الموقف، والبدء بالتفكير الجاد في مزيج من ضبط الإنفاق وزيادة الضرائب لمواجهته. بل في الحقيقة، مجرد التفكير في المشكلة، حتى لو للحظة واحدة، سيكون في حد ذاته تقدماً.






