كان من المفترض أن تؤدي إعادة انتخاب دونالد ترمب إلى ازدهار في سوق الأسهم، وهذا ما حدث فعلاً، لكن لأسباب لم يتوقعها المحللون.

ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 18% منذ فوز ترمب في 5 نوفمبر، منهياً شهر أكتوبر بسلسلة مكاسب استمرت ستة أشهر، ومسجلاً مستوى قياسياً جديداً. بدأ هذا الارتفاع مع التوقعات بأن خطة ترمب لخفض الضرائب والقيود التنظيمية ستقود إلى طفرة اقتصادية.

بينما نفّذ ترمب بالفعل معظم التخفيضات، فإن محاولاته لإعادة صياغة سياسات التجارة الأميركية جذرياً، بشكل متقطع وغير منتظم، أصبحت الرواية الأساسية التي يُنسب إليه تأثيرها في الأسواق. فتهديداته بفرض الرسوم الجمركية وتراجعه عنها دفعت بمؤشر عدم اليقين حيال السياسات إلى أعلى مستوى له منذ عام 1900، فيما شهدت تقلبات الأسهم ارتفاعات حادة من حين لآخر، كان أبرزها في أبريل عندما كشف ترمب عن أشد الرسوم الجمركية منذ 90 عاماً.

قال دين كيرنت، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة “ماكرو ريسك أدفايزرز” (Macro Risk Advisors LLC): “كانت هذه واحدة من أكثر موجات الانفجار في تقلبات السوق دراماتيكية التي شهدناها على الإطلاق”.

لولا موجة الحماس الجديدة تجاه الذكاء الاصطناعي، لكان صعود سوق الأسهم أكثر تواضعاً بكثير. إذ تشكل شركات التكنولوجيا الكبرى الجزء الأكبر من المكاسب، في حين تراجعت شركات الصناعة التقليدية وباعة السلع الاستهلاكية تحت وطأة الرسوم الجمركية وتباطؤ الاقتصاد.

قد يهمك: أسهم الذكاء الاصطناعي تشعل موجة مكاسب تاريخية في وول ستريت

تأثير شركات التكنولوجيا

في الوقت ذاته، ارتفع إصدار معدل من مؤشر “إس آند بي 500” يستبعد الانحياز للقيمة السوقية بنسبة 5.2% فقط خلال العام، مما يبرز تأثير شركات التكنولوجيا الكبرى والذكاء الاصطناعي، بينما لم تتجاوز مكاسب أوسط الأسهم في المؤشر 1.2%.

باستثناء موجة قصيرة في يناير تمحورت حول تطبيق ديب سيك (DeepSeek) الصيني،  أدت موجة الحماس للذكاء الاصطناعي إلى صعود شركة “إنفيديا” لتصبح أول شركة تبلغ قيمتها 5 تريليونات دولار، كما دفعت “أبل” و”ألفابت” لتجاوز 4 تريليونات دولار لكل منهما. وتشكل أكبر سبع شركات تكنولوجيا أكثر من نصف مكاسب السوق.

قال ألونزو مونيوز، الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة “هاملتون كابيتال بارتنرز” (Hamilton Capital Partners LLC): “أشعر أننا جميعاً انضممنا إلى موجة تجارة الذكاء الاصطناعي”، في إشارة إلى إيمان المستثمرين بأن هذه التقنية ما زالت في مراحلها الأولى من “القفز نحو مزيد من التطور”، تاركةً القطاعات الأخرى خلفها. وأضاف أنه باع استثماراته في القطاعات الدفاعية خلال اضطرابات أبريل، لزيادة حصته في الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك “ألفابت”.

فيما واصل زخم الذكاء الاصطناعي التقدم، استمرت التقلبات الناتجة عن السياسات في الظهور، خصوصاً حول تهديدات الرسوم الجمركية. كما تسبب ترمب في موجات ارتفاع وانهيار لأسهم شركات وقطاعات محددة.

أنعش أسهم شركة “إنتل” بعد أن أقنعها بمنح الحكومة الأميركية حصة قدرها 10% مقابل ما كانت منحة مخصصة لها. كما طالبت الولايات المتحدة بحصة ملكية في شركة “يو إس ستيل” (US Steel) للموافقة على صفقة استحواذ، واشترت حصصاً في شركات تعدين صغيرة تُعتبر حيوية للأمن القومي، مما أنعش قطاعاً كان هامشياً في السابق.

طالع المزيد: مؤشرات وول ستريت تتقلب مع تصاعد توترات الرسوم الجمركية

تصريحات ترمب تزيد التقلبات

كما أن تصريحات الرئيس الأميركي المتكررة بشأن سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ومحاولاته إقالة أحد مسؤوليه، زادت من حدة التقلبات في الأسواق. ويرى كيرنت أن موجات الاضطراب المتكررة يمكن أن تُضعف السوق مع مرور الوقت، كما ينهار بناء بفعل الاهتزاز المستمر.

قال كيرنت: “ما يقلقني هو أن الأسواق تفتقر إلى المرونة أمام الصدمات، ولا يمكنها تحمّل قدر غير محدود من الغموض والضبابية”.

مع ذلك، فإن مكاسب بنسبة 18% منذ الانتخابات تُعد ممتازة وفقاً لمعظم المقاييس، لكنها تبدو ضعيفة بمقاييس أخرى، إذ سجلت الفترة السابقة الممتدة 12 شهراً مكاسب بلغت 36%. وتحتل الأسهم الأميركية المرتبة 54 عالمياً خلال العام الماضي، متأخرة عن كندا واليابان وألمانيا وغيرها.

بالمقارنة مع السنة الأولى التي تلت الانتخابات الرئاسية خلال العقود الثمانية الماضية، جاء هذا الصعود في المرتبة الثامنة، بعد المكاسب في عهد جو بايدن (الأول)، وباراك أوباما (الخامس)، وبيل كلينتون (الثاني)، بحسب بيانات شركة “سي إف آر إيه” (CFRA). فيما احتلت الولاية الأخيرة لفرانكلين روزفلت المرتبة الثالثة، وجاءت الولاية الأولى لترمب في المركز السابع.

شهدت أسهم شركات السلع الاستهلاكية تراجعاً ملحوظاً، إذ هبطت أسهم شركة “تشيبوتلي مكسيكان جريل” (Chipotle Mexican Grill Inc) الأسبوع الماضي بعدما حذّرت الشركة من تراجع في الإقبال. كما تراجع قطاع السلع الأساسية خلال العام الماضي، في ظل تأثر هوامش الأرباح بالرسوم الجمركية. وتواجه الشركات في قطاع المواد، وهو الأسوأ أداءً في السوق، تحدياً مشابهاً بعد انخفاض أسهمه بنسبة 8%، نتيجة ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج الكيميائية المستوردة من شركاء تجاريين عالميين، لا سيما الصين.

اقرأ المزيد: الأسهم الأميركية تواجه اختبار رسوم ترمب وسط مبالغة في تقييماتها

طفرة الذكاء الاصطناعي

مع ذلك، قال كيرنت إن الطفرة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي جعلت “من المستحيل تجنب الاستثمار في سوق الأسهم الأميركية”، مشيراً إلى أن حجم السوق، وسيولتها، ومشاركة المستثمرين على اختلاف فئاتهم، وآفاق نموها، كلها عوامل تدفع المتعاملين للبقاء رغم المخاطر والتقلبات.

تبدو مؤشرات انحسار الاضطرابات التي أشعلتها سياسات ترمب التجارية واضحة، بعد جولة آسيوية حصل خلالها على تنازلات من عدد من الدول. في الوقت نفسه، تراجعت المخاوف بشأن المنافسة الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي منذ فبراير، بينما استمرت أرباح الشركات في دعم تقييمات الأسهم المرتفعة.

قال مايكل ديكسون، رئيس الأبحاث وتطوير المنتجات في شركة “هورايزن إنفستمنت” (Horizon Investment LLC): “أشعر اليوم بثقة أكبر مما كنت عليه العام الماضي”. وأضاف أن المستثمرين لم يدركوا قبل عام مدى سرعة تصاعد الإنفاق على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، أو أي أجزاء محددة من سلسلة الإمداد ستستفيد خلال الدورة الاقتصادية، أما اليوم، فيرون فرصاً أكبر للمكاسب، مما يبقيهم في السوق رغم المخاطر الأخرى.

قال ديكسون: “إنتاجية الذكاء الاصطناعي تستعد لدفعنا إلى مزيد من النمو من هذه النقطة، ولم نكن نعرف الكثير من هذه الأمور العام الماضي”.

طالع المزيد: كيف تتفاعل طفرة أسهم الذكاء الاصطناعي؟

مخاطر الذكاء الاصطناعي

مع ذلك، فإن موجة الذكاء الاصطناعي ليست خالية من المخاطر، وسط تحذيرات متزايدة من فقاعة محتملة، كما أن التأثير المحدود حتى الآن للرسوم الجمركية قد يتحول إلى عبء على المستهلكين الأميركيين. فقد بدأ المقترضون من ذوي الدخل المنخفض يواجهون صعوبات، وقد يؤدي ارتفاع التضخم إلى منع الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة بالوتيرة التي يأملها المستثمرون.

قال فيبس من شركة “بيكتون ماهوني” (Picton Mahoney): “السياسات تحتاج وقتاً طويلاً قبل أن تنعكس على الاقتصاد الأميركي”.

أضاف أن المستثمرين في الوقت الراهن يواجهون مخاطر مزدوجة في السوق الأميركية، إما حدوث تصحيح بسبب تقييمات الأسهم المرتفعة، أو تفويت موجة صعود جديدة في الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وأوضح: “هناك احتمال بحدوث تسارع في الاقتصاد الأميركي الأوسع نطاقاً.

شاركها.