لطالما حصدت المقاطع المصورة التي تعدّها إيمي إيبيل عن صيحات العطور وتنشرها عبر”تيك توك“ آلاف المشاهدات، وذلك منذ أن بدأت بالنشر تحت اسم AmyNoseScents@ في أواخر عام 2024. إلا أن مقطعاً أعدّته في يوليو حقق تفاعلاً كبيراً لم تشهده منشئة المحتوى الأسترالية من قبل.
في ذلك المقطع طرحت إيبيل نظرية مثيرة للجدل تربط بين رواج عطور برائحة الفانيلا والإسبريسو وغيرها من النكهات الشهية في الفترة الأخيرة وبين الانتشار العالمي لعقاقير مكافحة السمنة المعتمدة على بيبتيد-1 شبيه غلوكاغون (GLP-1). قالت في ذلك المقطع: “كلما زاد النحول في المجتمع، ازداد الإقبال على العطور برائحة الحلويات”، مستشهدة بالكاتبة فيرجي توفار، التي كتبت عن هذا الموضوع: “ما زلتم تسعون إلى السكر، لكن بالطريقة التي يمكن لأجسامكم التحصل عليه عبرها”.
“إيلي ليلي” تدخل إمبراطورية عقاقير السمنة من باب الحظ
حصد فيديو إبيل أكثر من 700 ألف مشاهدة و1300 تعليق، أكد كثير منها صحة هذه الفرضية. كتب أحد الأشخاص: “أتناول هذا الدواء، وأنا أمزح بأن رشة من عطري المفضل للطعام هي إفطاري”. وقال آخر: “إنها محقة… أتناول (مونجارو) منذ مارس 2025، وكل عطر اشتريته منذ ذلك الحين هو من أنواع (غورماند)“، مستخدماً مصطلح صناعة العطور لمنتجات مترفة ذات روائح سكرية في كثير من الأحيان.
علمياً، ما يزال الجدل محتدماً حول العلاقة بين أدوية كبح الشهية والميل لاشتمام عبق الحلويات. لكن نمو سوق هذا الضرب من العطور لا يمكن إنكاره.
تزايد ملحوظ في الإقبال على عطور مستنبطة من مأكولات
من بين جميع العطور التي طرحت عالميا في عام 2024، صنفت شركة أبحاث السوق ”مينتل غروب“ (Mintel Group) نحو 22% منها على أنها عطور ”غورماند”، بزيادة عن 19% في عام 2023 و15% في عام 2022. ومن يوليو 2024 إلى يوليو 2025، ارتفعت عمليات البحث عن عطور ”غورماند” وكلمات البحث المشابهة بنسبة 186% على ”تيك توك“ و82% عبر”جوجل“، وفقاً لشركة ”سبيت“ (Spate)، وهي شركة متخصصة في توقع اتجاهات المستهلكين باستخدام الذكاء الاصطناعي.
من بين أكثر 10 عطور مبيعاً على متجر ”تيك توك“ في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، تضمنت جميع العطور تقريباً روائح ”غورماند“ مثل الكراميل والفانيلا أو الفراولة والمارشميلو، وفقاً لشركة ”تشارم دوت آي أو“ (charm.io)، التي تتتبع مبيعات التجارة الإلكترونية.
احذر.. عطورك قد تخفي أسرارًا خطيرة
قال أرنو غوغنبول، الرئيس العالمي لتسويق العطور الفاخرة في ”جيفودان“ (Givaudan)، وهي شركة سويسرية لتطوير العطور تعمل مع علامات تجارية مثل ”لانكوم“ (Lancôme) و“ديبتيك“ (Diptyque) و“توم فورد“ (Tom Ford): “لم أعد أعتبرها مجرد موضة، بل موجة”.
بالطبع، كانت عطور ”غورماند“ موجودة منذ زمن العطور المنتجة بكميات كبيرة، وربما قبل ذلك. ترى مؤرخة العطور جيسيكا مورفي أن نشأة هذه الفئة تعود إلى تطوير رائحة فانيلا مركّبة في مختبر ألماني في سبعينيات القرن التاسع عشر. لكن خلال معظم القرن العشرين، شهدت الروائح الزهرية والعشبية وعطور التوابل مراحل من الرواج.
ثم في عام 1992، جاء عطر “أنجل” من مصمم الأزياء الفرنسي تيري موغليه، وهو عطر يجمع بين نفحات الباتشولي والفاكهة الحمراء والفانيلا. قال مورفي: “لقد كان عطراً صادماً. لم يشم أحد مثله من قبل”.
تبع ذلك مقلدات منه، وبحلول أوائل الألفية الثانية، امتلأت رفوف المتاجر الكبرى الفاخرة، بالإضافة إلى متاجر التجزئة في مراكز التسوق مثل ”باث آند بودي وركس“ (Bath & Body Works)، مع خطها الشهير “وارم فانيلا شوغر”. لكن هذا التوجه تلاشى مع مرور الوقت، حيث هيمنت عطور بروائح من الأخشاب والمسك مثل ”سانتال 33“ من ”لو لابو“ ( Le Labo) و“سوفاج“ من ”ديور“ (Dior) على المبيعات في العقد الثاني من هذا القرن.
دور المنصات في زمن الجائحة في انتشارها
لكن انتشار “بيرفيوم توك” -وهو ركن في ”تيك توك“ مخصص لتقييمات العطور وفيديوهات فتح علبها وما شابه- خلال جائحة ”كوفيد-”19 ساعد في عودة محبي العطور المستوحاة من الأطعمة.
كانت الروائح الشبيهة بالحلويات نقطة دخول سهلة إلى عالم العطور لمن يتعلمون عن العطور عبر الإنترنت قبل أن تُتاح لهم فرصة شمها، كما تقول إيبيل، منشئة المحتوى.
أضافت:”إذا قرأت المكونات ووجدت أنها كرز أو فانيلا أو شوكولا، فأنت تعرف رائحة كل من ذلك… لكن ماذا عن نجيل الهند؟ أو قطران البتولا؟”.
أدوية إنقاص الوزن فعّالة.. لكن الحصول عليها صعب
ما تزال العطور الفاخرة المستنبطة من النكهات الشهية التي انطلقت خلال الجائحة قوية، بما في ذلك عطر “بيانكو لاتيه” من دار العطور الإيطالية “جيارديني دي توسكانا”، الذي يُباع بسعر 160 دولاراً لعبوة 100 ميليليتر، ويتميز بنفحات من الفانيلا والحليب والعسل.
حتى علامات تجارية مثل دار العطور “دي. إس. آند دورغا” في بروكلين بولاية نيويورك، التي ساهمت في ترويج الروائح الترابية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اتجهت نحو العطور المستوحاة من مأكولات: إذ إن عطر “بيستاشيو”، برائحة الفستق الحلبي الذي يحمل اسمه، يُباع بسعر 300 دولار لعبوة 100 ميليليتر. وكان من أنجح إصداراته حتى الآن في عام 2021، وما يزال من أكثر العطور مبيعاً.
أما عطر “فانيل بلانيفوليا إكستريت 21” من “غيرلان” المفضل لدى “إيبيل”فيُباع بسعر 645 دولاراً لعبوة سعة 50 ميليلتر في الولايات المتحدة، لكنها تقول إنها تدفع ما يقرب من 800 دولار ليصل إلى منزلها في غرب أستراليا.
عطور من دبي تتصدر مبيعاتها في متجر “تيك توك”
كما تتوفر هذه العطور بأسعار أقل. على متجر ”تيك توك“، تصدّرت ”لطافة“، ومقرها دبي، قائمة العطور الأكثر مبيعاً لهذا العام، حيث حققت مبيعات تجاوزت 33 مليون دولار بين يناير وسبتمبر، وفقاً لموقع ”تشارم دوت آي أو“. ومن أشهر عطور ”لطافة“ عطر “إكلير”، الذي يُباع بسعر 45 دولاراً لعبوة 100 ميليلتر.
قال مونتي سينغ، رئيس العمليات في الولايات المتحدة: “الطلب لدينا يفوق قدرتنا على الإنتاج“.
كما يمكن مواكبة هذا الصيحة من خلال منتجات العناية بالجسم من العلامات التجارية الشائعة: فهناك مجموعة من الشامبو ومزيلات العرق المستوحاة من ”دانكن دونتس“ لدى ”نيتيف“ (Native) ومجموعة “كرامبل” من الرغوات واللوشن برائحة الكوكيز من “دوف” من أكثر المنتجات العطرية مبيعاً حتى الآن في عام 2025، وفقاً لشركة أبحاث السوق ”سيركانا“.
هل نتعطر بما نرغب بتجربته؟
تصف لاريسا جينسن، مستشارة صناعة مستحضرات التجميل في “سيركانا”، التغيير في عادات استخدام العطور الذي حدث خلال الجائحة بأنه تحول “من عطر للآخرين إلى عطر لي”. خلال الأيام الأولى للجائحة، رصدت “سيركانا” زيادة في مبيعات روائح الشاطئ مثل جوز الهند، ما يشير إلى رغبة لدى المستهلكين في الانتقال إلى مكان لم يتمكنوا من الوصول إليه في الواقع، كما تقول جينسن.
وهي تعتقد أن ظاهرة مماثلة تدفع مستخدمي (GLP-1) نحو العطور المستوحاة من مأكولات اليوم، وقالت: “قد لا أستطيع تناول كعكة دونات، لكنني أستطيع شمها على شعري وأجد نفسي محاطاً برائحتها”.
“لوريال” تدرس شراء حصة بشركة العطور العمانية “أمواج”
قالت فالنتينا بارما، الباحثة في مركز مونيل للعلوم الكيميائية في فيلادلفيا، التي تدرس حاسة الشم لدى فئات سريرية مختلفة، إن العلماء بدأوا للتو في دراسة الآثار المحتملة لعقار (GLP-1) على حاسة الشم لدى المستخدمين. وتشير الأبحاث الأولية إلى احتمال وجود صلة بين هذه الأدوية وتشوهات حاسة الشم، أي أن الأشياء تبدو رائحتها مختلفة عما كانت عليه سابقاً.
في ورقة بحثية قيد المراجعة الأكاديمية، حلل فريق بارما ما يقرب من عقدين من الآثار الجانبية التي أبلغ عنها مستخدمو (GLP-1) لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، ووجدوا أن نسبة كبيرة إحصائياً قالوا إنهم عانوا من تغيرات في حاسة الشم.
لم يتضح بعد سبب حدوث هذا التشوه. ولكن بالنسبة لمن فقدوا المتعة الحسية التي كانوا يستمدونها من الطعام، قد يكتسب دور حاسة الشم أهمية متزايدة، كما تقول بارما.
أضافت: “الذكريات الشمية قوية جداً. إنها فورية وشديدة التأثير عاطفياً”. هناك عالمٌ قد تكفي فيه هذه الارتباطات لإشباع رغبة في تجربة كانت مرتبطة سابقاً بالطعام. لكن هذا مجرد تكهنات وليست مبنية على أدلة.
استدلال منطقي رغم عدم وجود إثبات علمي
مع ذلك، فقد كانت هذه هي التجربة التي أبلغ عنها عدد من مستخدمي ”تيك توك“. قال جيمس نيوبري، الذي ينشر عن العطور على ”تيك توك“ تحت اسم jamessmellsgood@، إنه لطالما استخدم بعض العطور المستنبطة من أطعمة، بما في ذلك عطر (Angel Men) من ”موغليه“، الذي تفوح منه رائحة الباتشولي والقهوة، لكنه انجذب عموماً نحو العطور العشبية المنعشة. منذ أن بدأ استخدام (GLP-1) في عام 2024 وخسر أكثر من 50 كيلوغراماً، أصبح يفضل روائح الفانيلا. قال: “أستخدم العطور للتحكم في مزاجي وعواطفي بالطريقة التي كنت أستخدم بها الطعام”.
ليس الجميع متأكداً من أن الصلة واضحة جداً. قالت مورفي، مؤرخة العطور، إنها تعتقد أن العالم في منتصف دورة استهلاك طبيعية تتأرجح بين عطور الذواقة والروائح الأخرى؛ وتتوقع أن يمل المستهلكون قريباً من الروائح الحلوة.
أشار غوغنبول من ”جيفودان“ إلى أن عطور المأكولات تشترك في كثير مع الصيحات الأخرى التي يغذيها ”تيك توك“، من حيث كونها مريحة وراقية- وهي نفس الصفات التي تدفع بعض المتسوقين إلى الحلويات الفاخرة والدمى العصرية. قال غوغنبول إن الروائح من فئة ”غورماند“ “تكاد تكون (لابوبو) للأنف”.

 
		
 
									 
					 اختر منطقتك
 اختر منطقتك	 حالة الطقس
 حالة الطقس	





