تتجه واردات أوروبا من الديزل ووقود الطائرات نحو تسجيل مستويات قياسية هذا الشهر، مع استعداد التجار لفصل الشتاء في ظلّ تشديد القيود على المنتجات النفطية المصنّعة من الخام الروسي.

وصل نحو 1.9 مليون برميل من هذه الإمدادات، قادمة من دول مثل الهند والسعودية والولايات المتحدة، إلى موانئ الاتحاد الأوروبي بين الأول والعشرين من أكتوبر، وفقاً لبيانات منصة “كبلر” التي جمعتها بلومبرغ. وإذا استمر هذا الزخم، فإن مشتريات أوروبا من وقود الديزل ووقود الطائرات ستبلغ أعلى مستوى شهري لها على الإطلاق.

العقوبات تُربك طرق الوقود إلى أوروبا

منذ فرض الحظر على واردات الروسية في عام 2023، كثّف الاتحاد الأوروبي اعتماده على مصادر بديلة لتأمين ما يُعرف بالمقطرات النفطية الوسطى، وهي أنواع من الوقود تُستخدم في تشغيل الشاحنات والقطارات والطائرات والمعدّات الثقيلة، فضلاً عن تدفئة المنازل. وقد قلب هذا التحوّل أنماط التجارة الراسخة لعقود، ودفع أوروبا إلى البحث عن الإمدادات من مناطق أبعد، مثل الهند وغيرها.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يعتمد حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع الطاقة الروسي

اليوم، سلسلة توريد الطاقة إلى أوروبا مهددة باضطرابات جديدة مع اقتراب الاتحاد الأوروبي من فرض قيود إضافية على واردات الوقود من محطات تكرير تستخدم الخام الروسي، في خطوة قد تعيد رسم خارطة تدفقات التجارة خلال فصل الشتاء حين يرتفع الطلب على التدفئة.

في المقابل، ازدادت الضغوط على بعض الدول المصدّرة وشركات الشحن، بعد أن أدرجت الولايات المتحدة شركتي الطاقة الروسيتين “روسنفت”  و”لوك أويل” على قائمتها السوداء. وقال مسؤولون في شركات تكرير هندية التي تٌعد من أبرز مستوردي النفط الروسي، إن هذه العقوبات الأميركية تجعل من شبه المستحيل استمرار تدفّق الخام إلى كبرى محطات التكرير.

تتزامن هذه القيود على واردات النفط في أوروبا مع إغلاقات في عدد من المصافي في القارة، بعضها بشكل دائم والآخر مؤقتاً بسبب أعمال الصيانة، ما يزيد الضغوط على الإمدادات.

الاستفادة من فروق أسعار الوقود

في غضون ذلك، أتاح ارتفاع أسعار الوقود للتجار فرصة تحقيق الأرباح عبر الاستفادة من فروق الأسعار من خلال شحن الإمدادات إلى أوروبا. أما الغموض المحيط بالقيود الأوروبية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في يناير، فيشكّل حافزاً إضافياً لهم من أجل الإسراع في ضخ مزيد من الشحنات إلى السوق الأوروبية.

وقال يوجين ليندل، رئيس وحدة المنتجات المكرّرة في شركة الاستشارات “إف جي إي نيكسانت إي سي” (FGE NexantEC): “عندما تكون نافذة مراجحة الأسعار مفتوحة قبل الشتاء، فإنك حتماً ستنتهز الفرصة وتشتري”.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي حظر في مطلع عام 2023 معظم وارداته من المنتجات النفطية الروسية، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الدول من خارج التكتل من مواصلة استيراد الخام الروسي وتكريره، ثم تصدير منتجات مثل الديزل ووقود الطائرات إلى أوروبا. لكن الحظر الجديد المرتقب في 21 يناير يستهدف إغلاق هذه الثغرة.

غموض حول واردات الوقود من الهند

رغم أن تأثير القيود المرتقبة أقل بكثير مقارنة بالحظر الأصلي، إذ كانت روسيا في السابق المورّد الأكبر للديزل إلى الاتحاد الأوروبي بفارق شاسع، لا يزال هناك احتمال أن تعرقل التدفقات. وتشير تقديرات شركة “إف جي إي” إلى أن القواعد الجديدة قد تثير بعض الغموض بشأن الإمدادات القادمة من الهند، وإن كانت ترجّح استمرار هذه التدفقات في نهاية المطاف.

في المقابل، أضافت العقوبات الأميركية الأخيرة على “روسنفت” و”لوك أويل” مزيداً من الحذر في السوق، إذ بات تدفق البراميل المرتبطة بروسيا عبر الأسواق العالمية أكثر تكلفة ومخاطرة على الوسطاء. ونتيجة ذلك، يُتوقَّع أن تتراجع شحنات الخام الروسي المتجهة إلى كبرى شركات التكرير في الهند لتقترب من الصفر.

اقرأ أيضاً: تقترب من الصفر.. العقوبات الأميركية تخنق واردات الهند من النفط الروسي

ومنذ عام 2022، تحوّلت الهند إلى أحد أبرز مستوردي النفط الروسي، بعدما استفادت من سقف سعري حُدد عند 60 دولاراً للبرميل، أتاح لها شراء شحنات مخفّضة السعر كان مسموحاً لها بها ورخيصة نسبياً.

سجّلت الشحنات القادمة من الهند نحو 362 ألف برميل يومياً خلال الفترة من 1 إلى 20 أكتوبر، وهو ما يعادل قرابة 20% من إجمالي واردات المشتقات النفطية الوسطى إلى الاتحاد الأوروبي في تلك الفترة. وإذا استمرت هذه الوتيرة حتى نهاية الشهر، فستكون هذه أكبر كمية شهرية تُسجّل من الهند منذ بدء رصد البيانات في عام 2017.

الأنظار تتجه إلى الصين

من المرجح أن تفتح الخطوة الأميركية الأخيرة فصلاً جديداً من إعادة التموضع في أسواق النفط العالمية، حيث تسعى شركات التكرير الهندية لسد الفراغ الذي ستتركه البراميل الخاضعة للعقوبات، بينما تبحث روسيا عن مشترين بدلاء لخامها.

 ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون الصين—وهي ثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي—مستعدة لزيادة حجم مشترياتها، في وقت تتزايد فيه المخاطر المحيطة بقطاعها النفطي، وتتزامن مع مفاوضات تجارية حساسة تجريها مع واشنطن؟

بحسب فرناندو فيريرا، مدير “رابيدان إنرجي غروب” (Rapidan Energy Group )، فإن بعض شركات التكرير الهندية ستسعى إلى الحفاظ على حضورها في السوق الأوروبية من خلال مواصلة تصدير المنتجات المكرّرة. لكنه يرى أن التغيرات المقبلة ستؤدي إلى “إعادة ترتيب أو تقليص في تدفقات التجارة، دون أن تنقطع الواردات من الهند بشكل كامل”.

شاركها.