في البدء أتت ضربات على قوارب يُزعم أنها تهرب المخدرات، تلتها زيادة في التواجد العسكري الأميركي، وبعدها جاء تفويض بعمل سري في فنزويلا. تُثير التحركات الأخيرة للرئيس دونالد ترمب في أميركا اللاتينية تساؤلاً: هل تُعِدّ الولايات المتحدة لتدخل كبير في المنطقة؟
رأينا: تمثل هذه التحركات جزءاً من إشارة سياسية داخلية وجزءاً من حملة ضغط ضد النظام الفنزويلي والحكومات الأخرى التي تعارضها إدارة ترمب. ستستمر الحملة على الأرجح، ويُحتمل حدوث تصعيد، وقد يشمل ضربات عسكرية محدودة في الأراضي الفنزويلية، لكن لا يُرجح حدوث عملية عسكرية أو شبه عسكرية أميركية كبيرة.
ماذا وراء المخدرات والضربات والجواسيس؟
ركزت ولاية ترمب الثانية بدقة أكبر على أميركا اللاتينية التي تُعتبر خطاً أمامياً في حملة الترحيل التي تشنها إدارته والحرب على المخدرات.
هاجمت القوات الأميركية ثمانية قوارب يُزعم ارتباطها بتجارة المخدرات؛ وهو توسع في الاستهداف العسكري الأميركي يتجاوز المقاتلين الأعداء أو المنظمات الإرهابية، كما أنه توسع ذو أساس قانوني مبهم.
مادورو يدعو ترمب إلى إجراء محادثات بين فنزويلا والولايات المتحدة
كما انخرطت الولايات المتحدة في تحشيد عسكري كبير في المنطقة، إذ تعمل عدة سفن قتالية ومجموعة جاهزة للإنزال البرمائي في منطقة البحر الكاريبي، كما تنطلق طائرات مقاتلة أميركية وطائرات مسيرة وطائرات مراقبة من بورتوريكو.
كما قال ترمب إنه أذن بعمل سري لوكالة المخابرات المركزية في فنزويلا لوقف تدفق المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة.
قد تخدم هذه الإجراءات أغراضاً متعددة، من أهمها زيادة الضغط على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
الحشد العسكريي الأميركي في نصف الكرة الغربي
| الأصول | العدد | بداية الإنتشار | نهاية الإنتشار |
| غواصة يو إس إس نيوبورت نيوز | غواصة واحدة | 25 أغسطس | 25 سبتمبر |
| مجموعة أيو جيما ذات القدرات البرمائية | 3 سفن و2300 بحار | 25 أغسطس | مستمرة |
| وحدة المارينز المتقدمة | 2200 جندي مارينز | 25 أغسطس | مستمرة |
| طائرة دورية البحرية بي-8 | 3 طائرات | 25 أغسطس | 25 أكتوبر |
| مدمرتي يو إس إس غريفلي ويو إس إس جيسون دنهام الصاروخيتين | سفينتين | 25 أغسطس | مستمرة |
| فرقاطة الصواريخ الموجهة يو إس إس ليك إري | سفينة واحدة | 25 أغسطس | مستمرة |
| سرب طائرات مقاتلة إف-35 | 10 طائرات | 25 سبتمبر | مستمرة |
| مسيّرات “ريبر” إم كيو-9 | 6 مسيّرات | 25 سبتمبر | مستمرة |
| سفينة العمليات الخاصة إم في أوشن تريدير | سفينة واحدة | 25 سبتمبر | مستمرة |
| السفينة المقاتلة الشاطئية يو إس إس مينيسوتا | سفينة واحدة | 25 سبتمبر | 25 أكتوبر |
| طائرة العمليات الخاصة إي سي – 130 جيه | طائرتين | 25 أكتوبر | مستمرة |
| السفينة المقاتلة الشاطئية يو إس إس ويتشيتا | سفينة واحدة | 25 أكتوبر | 25 أكتوبر |
دوافع سياسة أميركا اللاتينية
ليس لدى إدارة ترمب وجهة نظر موحدة بشأن السياسة تجاه أميركا اللاتينية أو حتى فنزويلا. هناك معسكران: من يفضلون نهجاً أكثر تدخلاً في المنطقة وإسقاط مادورو، ومن لا يفعلون.
لطالما دعا وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن القومي، إلى نهج أكثر تدخلاً في المنطقة، مستوحى من مواقف المحافظين الجدد المناهضة للشيوعية في عهد الرئيس رونالد ريغان.
نائب رئيس الأركان ستيفن ميلر، وهو شخصية مؤثرة أخرى، يرى في استعراض القوة وسيلةً لتعزيز رؤية السلطة التنفيذية المطلقة ووقف تدفق المخدرات والمهاجرين إلى الولايات المتحدة.
ترمب ومادورو.. صراع قديم يتجدد في مياه فنزويلا ما القصة؟
يُرجح أن يشمل حلفاؤهما المدعية العامة بام بوندي، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، وغيرهما من الجمهوريين من فلوريدا الذين يميلون إلى تبني آراء متشددة تجاه مادورو.
على الجانب الآخر من الطيف السياسي: المبعوث الخاص ريك غرينيل، الذي دعا إلى التواصل مع مادورو، وربما نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي يميل إلى معارضة التدخلات في الخارج.
يُرجح أيضاً أن ترمب نفسه يميل ضد التدخل، إلتزاماً بأصداء قاعدته الشعبية. لكنه منفتح على الاستخدامات المستهدفة للقوة التي يعتقد أنها تُظهر القوة، مثل ضربات الإدارة في يونيو 2025 على إيران.
ويبدو أن المعسكر المتشدد في صعود، ما يعني استمرار الضغط، إن لم يكن تصعيده.
ثلاثة سيناريوهات للسياسة الأميركية
يشير الوجود العسكري الأميركي، ونفور ترمب من التورطات الخارجية، وتأثير الأعضاء الأكثر تشدداً في إدارته إلى استمرار حملة الضغط التي تشنها واشنطن على فنزويلا -وربما حكومات إقليمية أخرى- مع وجود مجال لتصعيد محدود. احتمالات وقوع عملية كبرى ضئيلة.
السيناريو الأرجح:
استمرار حملة الضغط. يكاد يكون مؤكداً أن إدارة ترمب ستواصل الاستفادة من الضربات الموجهة ضد قوارب المخدرات المزعومة، والانتشار العسكري، وغيرها من الأدوات الاقتصادية والسياسية للضغط على كاراكاس (وربما كولومبيا أيضاً).
المخاطر: قد تقوض الإجراءات الأميركية صورتها ومصداقيتها في أميركا اللاتينية وتستنزف الموارد العسكرية من أولويات عالمية أخرى.
احتمالات النجاح: غير واضحة في أحسن الأحوال. فقد ارتفع إنتاج المخدرات بشكل كبير، وهناك طرق متعددة للوصول إلى الولايات المتحدة. كما أن تغيير النظام في فنزويلا بعيد كل البعد عن أن يكون مضموناً؛ فقد صمدت ديكتاتوريات يسارية أخرى في أميركا اللاتينية، مثل كوبا ونيكاراغوا، لعقود رغم الضغوط الأميركية الشديدة. لكن الاحتمالات تزداد هامشياً مع كل درجة من الضغط.
ترمب يشعل التوترات الجيوسياسية في أميركا اللاتينية
سيناريو مرجح:
تصعد الولايات المتحدة إلى ضربات محدودة. إن البصمة العسكرية الأميركية الموسعة في المنطقة غير كافية لشن عملية أكبر – مثل تلك التي تهدف إلى الإطاحة بالحكومة الفنزويلية بقوات على الأرض – لكنها ستسمح بضربات محدودة على الأراضي الفنزويلية (على سبيل المثال، على البنية التحتية لتهريب المخدرات أو الأفراد). قد يرى ترمب هذا خياراً منخفض التكلفة ومنخفض المخاطر نسبياً لإظهار القوة وتكثيف الضغط على مادورو.
المخاطر: زيادة خطر وقوع إصابات بين المدنيين واستنزاف مخزونات الصواريخ الأميركية المحدودة – خاصة إذا تم استخدام صواريخ ”توماهوك” الهجومية مع شح كمياتها.
احتمالات النجاح: مثل الهجمات على قوارب المخدرات المزعومة، لن تحدث ضربات متفرقة على أهداف الاتجار أثراً كبيراً في الحد من دخول المخدرات إلى الولايات المتحدة. كما أن الضربات لن تضمن الإطاحة بمادورو – لكنها قد تضيف زخماً للمعارضة الداخلية. ويُحتمل أن تستقبل الأسواق هذا بشكل إيجابي
أميركا اللاتينية على أعتاب تحول شامل
سيناريو غير مرجح إطلاقاً:
عملية أميركية كبرى، لكن يُنظر في واشنطن إلى عمليات أميركية في أميركا اللاتينية وما وراءاها على غرار حقبة الحرب الباردة، على أنها ستمون إما إخفاقات صريحة (مثل خليج الخنازير) أو هزيمة ذاتية (مثل الانقلابات في غواتيمالا وتشيلي وبنما) وهي غير محبوبة لدى الأميركيين، وهذا يقلل احتمالات هذا السيناريو. لكن إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في مثل هذه العملية في فنزويلا، فقد تكون العواقب وخيمة وغير متوقعة.
المخاطر: قد توقظ عملية كبرى مشاعر معادية لأميركا في فنزويلا وفي جميع أنحاء المنطقة، ما يؤدي إلى توتر العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتعريض الأهداف الجيوسياسية والسياسية الأميركية الأخرى للخطر، من الأرجنتين إلى تشيلي إلى كولومبيا. ويُحتمل ألا يؤدي الصراع العسكري الكامل إلى نتائج جيدة بالنسبة للاقتصاد أو الأسواق الفنزويلية. قد يؤثر أيضاً على أسواق النفط العالمية حتى لو كان إنتاج فنزويلا ضئيلاً مقارنةً بماضيه. من شأن مثل هذا الصراع أيضاً أن يخاطر بوقوع خسائر بشرية أميركية وردود فعل سياسية عنيفة في الداخل.
فرص النجاح: يُرجح أن يسقط نظام مادورو بسرعة، لكن الفوضى قد تنتج عن ذلك، وقد يستغرق الانتقال إلى ديمقراطية فاعلة وقتاً طويلاً أو أن يتعطل، وقد يكون هناك ارتفاع في أعمال العنف تغرق فيها الولايات المتحدة في المنطقة لسنوات.






