كان لجائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام أهمية استثنائية، لأنها كرّمت ثلاثة باحثين سعوا بطرق مختلفة إلى فهم أسباب الابتكار وكيف يُعزز النمو الاقتصادي، وهذه أسئلة لم يسبق لها أن كانت أكثر إلحاحاً.
لا نرى أي دلائل على التباطؤ في التقدم التقني بينما ما نجده هو العكس تماماً: يبشر الذكاء الاصطناعي بموجة جديدة من “التدمير الخلاق”، أي ارتفاع مستويات المعيشة مصحوباً بجيشانات في سوق العمل.
الخريجون الجدد في أميركا يواجهون أسوأ سوق عمل منذ سنوات
إن تحقيق أقصى استفادة من هذا الاحتمال تحد بحد ذاته، لكنه يجسّد أيضاً لغزاً أعمق. في السنوات الأخيرة، ترافقت المعرفة المتقدمة، والسلع والخدمات الجديدة، وأشكال الإنتاج الجديدة مع تباطؤ نمو الإنتاجية.
ألغاز بحاجة ملحّة إلى إجابات
من هنا يأتي اللغز: كيف يحفّز التقدم التقني الازدهار تحديداً، ولماذا لا لم نشهد فعلاً نمواً أسرع؟ لقد سلّط من تلقوا هذه الجائزة، جويل موكير من جامعة نورث وسترن، وفيليب أغيون من كلية لندن للاقتصاد وكلية إنسياد في باريس، وبيتر هاويت من جامعة براون، الضوء على هذه الألغاز بالغة الأهمية.
موكير مؤرخ اقتصادي يدرس مراحل التقدم العلمي والتقني، ولا سيما ثورة المعرفة في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. النقطة المفتاحية هي أن الاكتشافات، وإن كانت ضرورية، إلا أنها ليست كافية بحد ذاتها.
خمسة دروس اقتصادية من فائز بجائزة نوبل هذا العام
يجب أن تتفاعل هذه الاكتشافات مع بيئة ثقافية وتجارية داعمة تدركها وتطبقها. ويتطلب النجاح مزيجاً من المعرفة العلمية والكفاءة العملية والرغبة في التقدم المادي. يُظهر التاريخ أنه لا يمكن التعامل مع أي من هذه الأمور على أنها مسلّمات.
وينصب تركيز عمل أغيون وهيويت بوضوح أكبر على مفهوم “التدمير الخلاق”، وهو المصطلح الذي صاغه جوزيف شومبيتر عام 1942.
تقرّ هذه الفكرة بالجانب السلبي للابتكار: فالمنتجات الجديدة تُحل محل القديمة، والشركات القائمة تتقهقر ثم تحل مكانها شركات جديدة، ومن ثم يجد كثير من العاملين أن مهاراتهم لم تعد مطلوبة في سوق العمل.
التحولات ليست أخطاء يجب تفاديها
الأهم من ذلك، أن هذه التحولات هي جزء لا يتجزأ من النمو الاقتصادي. وبدلاً من أن تكون أخطاءً يجب تجنبها، فهي تكاليف يجب التخفيف منها من خلال سياسات عامة حكيمة، بما في ذلك التأمين الاجتماعي الفعال وتحسين التعليم والتدريب والاهتمام بالفرص الاقتصادية.
عليكم أن تدفعوا عجلة الابتكار من خلال الاهتمام بالحوافز ودعم البحث والتطوير وتعزيز المنافسة. هذا أمرٌ حيوي للنمو، لكن عليكم ألّا تتوهموا، إذ لا يمكن إحداث تقدم من غير أن يوقع ذلك آلاماً.
الذكاء الاصطناعي قادر على تحويل الاقتصاد ولو كان فقاعةً
النمو من خلال الابتكار هو السبيل الوحيد للحفاظ على ارتفاع مستويات المعيشة وبصورة أسرع، في ظلّ السياسات الصحيحة. إن النمو وليس ما سواه هو السبيل لمعالجة الفقر المزمن والتعرض للأمراض وتغير المناخ وغيرها من التهديدات العالمية. نشيد بلجنة الجائزة لإدراكها أهمية هذه الأسئلة وتكريمها للباحثين الذين يكرّسون جهودهم لإيجاد إجابات.