طرحت مجموعة من أبرز حاملي السندات في الأسواق الناشئة اقتراحاً يمنح الدول النامية مهلة لسداد ديونها في حال وقوع كوارث.

جاء المقترح، الذي صدر يوم الإثنين تزامناً مع انطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن، ليتيح للحكومات تعليق مدفوعات الفائدة في حال وقوع كوارث طبيعية أو أوبئة أو نزاعات مسلحة أو صدمات اقتصادية كبرى. في المقابل، توفر الدول مزيداً من الحماية لحاملي السندات وتقدم بيانات أكثر تفصيلاً عن ديونها.

يعكس هذا التوجه قلق “وول ستريت” من احتمال انهيار اقتصادات الدول الناشئة تحت وطأة ديون تبلغ 33 تريليون دولار، مما يجعلها عرضة للأزمات إذا أصيبت بنكبات جديدة. فالصدمات التي شهدها العالم خلال الأعوام الخمسة الماضية، بدءاً من جائحة “كوفيد”، إلى الحرب في أوكرانيا، وصولاً إلى تشديد السياسات النقدية العالمية، والتي دفعت اقتصادات هشة إلى أزمات مالية، وأجبرت حكوماتها على خفض الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، فيما انزلقت بعض الدول إلى التعثر في السداد.

قد يهمك: الأسواق الناشئة تواجه عبء تضخم فائدة ديون بـ29 تريليون دولار

استباق أزمة الديون

قال سامي معوضي، رئيس إدارة الدخل الثابت في الأسواق الناشئة لدى شركة “تي رو برايس أسوشيتس” (T. Rowe Price Associates) وعضو فريق العمل الذي أعد المقترح: “نسعى إلى استباق الأزمة المقبلة. لقد رأينا أن الدول منخفضة الدخل تتأثر بتقلبات الاقتصاد الكلي، وما نقدمه هنا هو عقود أكثر مرونة ومتانة”.

تدعو المجموعة إلى إدراج بند جديد في عقود السندات السيادية يسمح للحكومات بتعليق مدفوعات الفائدة لمدة تصل إلى عام واحد بعد وقوع حدث كبير. وقد تبنت دول في الكاريبي مثل هذه الصيغة نظراً لتعرضها للأعاصير. ولم تتأثر سندات غرينادا عندما فعّلت البلاد هذا البند في عام 2024 بعد إعصار “بيريل”، كما لم يتأثر أداء سندات بربادوس عندما أصبحت أول دولة تدرج هذا الشرط في إصدار أولي خلال يونيو الماضي، حيث فاقت طلبات الاكتتاب المعروض بخمسة أضعاف.

طالع المزيد: “صندوق النقد” يطلق دليلاً لإعادة هيكلة ديون الأسواق الناشئة

أما النسخة الأحدث من المقترحات، التي تحظى بدعم شركات مثل “غرانثام مايو فان أوتيرلو آند كو.” (Grantham Mayo Van Otterloo & Co. LLC) و”أبردين أسيت مانجمنت” (Aberdeen Asset Management)، فتوسّع نطاق الأحداث التي يمكن أن تفعّل البند، لتشمل إضافة إلى الكوارث الطبيعية، النزاعات المسلحة والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

في مثل هذه الحالات، تعلن الحكومة عن وقوع الكارثة، ثم يصوّت حاملو السندات على تعليق المدفوعات. في المقابل، يلتزم المقترضون بتعزيز الشفافية من خلال عقد اجتماعات فصلية بين المستثمرين وكبار المسؤولين، ونشر بيانات تفصيلية عن الديون، مع إمكانية تعديل القانون الذي تخضع له السندات إذا طرأت تغييرات قانونية في نيويورك أو المملكة المتحدة.

اقرأ أيضاً: الأسهم أو السندات.. معضلة تواجه المستثمرين في الأسواق الناشئة مع عودة ترمب

الشفافية في الديون

كان صندوق النقد الدولي قد دعا في السنوات الأخيرة إلى مزيد من الشفافية في الديون عقب تعثر دول مثل سريلانكا وزامبيا ودخولها في مفاوضات معقدة وطويلة لإعادة هيكلة التزاماتها. وأشار تقرير للصندوق صدر في 7 أكتوبر إلى أن “ضعف الشفافية في الديون يعوق قدرة الدائنين على تقييم مبدأ المعاملة المتكافئة في إعادة الهيكلة ويؤخر العملية”.

وأوضح أن متوسط مدة ثماني حالات لإعادة هيكلة ديون سيادية في السنوات الخمس الأخيرة ارتفع إلى 2.5 سنة مقارنة بـ1.1 سنة سابقاً، مضيفاً أن “تحسين الشفافية في الديون يعود بفوائد طويلة الأمد، منها خفض فروق العائد على السندات”.

يقترح المستثمرون أن تُضاف المدفوعات المؤجلة إلى أصل الدين لاحقاً مع احتساب الفائدة عليها. كما لا يمكن تطبيق التأجيل خلال السنة الأخيرة من عمر السند أو إذا رفض أكثر من نصف حاملي السندات ذلك. ويُشترط كذلك أن يشمل التأجيل ما لا يقل عن 60% من الدائنين التجاريين وجهات الإقراض الرسمية التي لا تقدم قروضاً ميسّرة لضمان استخدام الأموال المتاحة لدعم التعافي الاقتصادي بدلاً من سداد ديون أخرى. ويمكن تطبيق الشروط الجديدة عند إصدار السندات أو إدارة الالتزامات أو أثناء إعادة الهيكلة.

بحسب آبي مكينا، المستشارة العليا ومديرة البرامج في “تحالف المستثمرين في الأسواق الناشئة” (Emerging Markets Investors Alliance) التي شاركت في إعداد المقترح مع خبراء آخرين منهم بن هيلر، مدير المحافظ في “إتش بي كيه كابيتال مانجمنت” (HBK Capital Management)، فإن هذه الصياغة تتيح للدول سيولة أثناء الأزمات من دون زيادة تكلفة الاقتراض.

قالت مكينا: “سيكون عدد حالات التعثر أقل على المدى الطويل. نأمل أن يوفر هذا الحل الموحد للسيولة أداة يمكن التنبؤ بها وقياسها لإدارة المخاطر بما يعود بالنفع على المُصدرين والمستثمرين على حد سواء”.

شاركها.