أعاد قرار تثبيت الإيجارات في الرياض رسم خريطة السوق العقارية في المملكة العربية السعودية، حيث من المتوقع أن يتغير المشهد بسرعة باتجاه إعادة التوازن للقطاع، في ظل ارتفاع الإيجارات، وسط النهضة التي تشهدها العاصمة السعودية، بما في ذلك تحفيز الشركات الأجنبية على نقل مقراتها الإقليمية إلى عاصمة المملكة، خاصةً أنه جاء ضمن حزمة من الإجراءات تستهدف زيادة المعروض.
القرار الصادر عن مجلس الوزراء يمنع أي زيادات سنوية للعقود الإيجارية في العقارات السكنية والتجارية في الرياض لمدة 5 سنوات. ومثل أي قرار اقتصادي، يوجد رابحون بشكل مباشر وهناك من ستتأثر أرباحهم سلباً على المدى القصير وإن كان من المتوقع أن يستفيدوا على المدى الأبعد من استقرار وتوازن القطاع الذي يعملون به.
شهدت الرياض قفزات متتالية في أسعار الإيجارات السكنية والتجارية، بلغ إجماليها ما يتراوح بين 70% إلى 100% منذ عام 2021، بحسب نوع العقار، وفقاً لأرقام مجمّعة من الهيئة العامة للإحصاء، مدفوعةً بفورة بالنشاط الاقتصادي، وانتقال زهاء 600 شركة عالمية إلى العاصمة السعودية كمقر لأنشطتها الإقليمية.
“الشرق” استطلعت آراء الخبراء لمحاولة تحديد لائحة الرابحين والخاسرين من القرار، وتأثيراته المتوقعة على السوق العقارية في السعودية:
ما هي الشركات التي يُتوقع أن يعزز القرار أرباحها؟
إذا كان المستفيد الأكبر على المدى القريب من تثبيت الإيجارات هم بطبيعة الحال مستأجرو العقارات، فإن الشركات المدرجة في قطاعات المستهلكين، والضيافة، والمكاتب، ستستفيد من وضوح التكاليف، ما يخفف الضغط على هوامش التشغيل. كذلك، ستصبح الرياض وجهة أكثر تنافسية للشركات الدولية التي تنقل موظفيها، نظراً لانخفاض تقلبات تكاليف السكن. حسبما يرى عمار حسين، الشريك المشارك للأبحاث في الشرق الأوسط لدى “نايت فرانك”.
من جهته، يتوقع سعود القويفل، مدير البنية التحتية والعقارات في “ديلويت” الشرق الأوسط أن ينعكس القرار بشكل إيجابي على مشغّلي قطاع التجزئة ممن يملكون شبكات فروع في الرياض بعقود إيجار أدنى من المعدلات السائدة، إذ يمنحهم تثبيت الإيجارات ميزة واضحة في تقليص التكاليف خلال السنوات الخمس المقبلة، ويعزز فرص تحقيق ربحية أعلى في صافي الدخل.
يضيف المحلل المالي محمد الميموني إلى قائمة الشركات المستفيدة شركات التعليم الأهلي والرعاية الصحية. إذ أن تثبيت الإيجارات سيمنح هذه الشركات استقراراً في التكاليف التشغيلية، ما ينعكس إيجاباً على هوامش الربحية.
وبينما يعتبر الميموني أن “المراكز العربية” تأتي في طليعة الشركات المدرجة المستفيدة من القرار، كونها تدير مراكز تجارية تستضيف مستأجرين بعقود طويلة، بالإضافة إلى “النهدي” للصيدليات و”لازوردي” للمجزهرات. يرى خالد المبيض، الرئيس التنفيذي لشركة منصات العقارية، أن أي مطوّر يبيع وحدات ولا يبني بغرض التأجير سيستفيد، مثل “دار الأركان” و”رتال للتطوير”.
ماذا عن الخاسرين من القرار؟
رغم أن شركات العقارات التي تعتمد على الدخل الإيجاري ستتأثر -بلا شك- سلباً نتيجة قرار تجميد نمو الإيجارات، لاسيما على صعيد الإيرادات، وصافي الأرباح. إلا أن سابانا جاجتياني، المدير والمحلل الرئيسي لتصنيفات الشركات في الشرق الأوسط لدى وكالة S&P، يرجح أن القرار سيسهم في تعزيز البيئة التنظيمية واستقرار أوضاع المستأجرين، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على المدى الطويل.
أما الميموني، فيشير إلى أن “القرار سيحدّ من نمو إيرادات الشركات العقارية التي تعتمد على عوائد الإيجار. حيث كانت هذه الشركات تستفيد من تعديل الإيجارات سنوياً لمواكبة التضخم أو ارتفاع الطلب، لكن مع تثبيت الأسعار، ستفقد جزءاً من هذا الزخم”.
من المتوقع أن يحمل القرار تأثيراً مزدوجاً ومتعاكساً على الربحية. فمن جهة، يؤدي إلى الحد من نمو الإيرادات من العقود الجديدة. ومن جهة أخرى، يوفر الاستقرار في التكاليف رؤية أوضح للتدفقات النقدية. أما بالنسبة للمالكين، فقد يشجعهم القرار على الدخول في مفاوضات مع المستأجرين لاستعادة بعض الوحدات المؤجرة، بهدف تنفيذ عمليات تجديد شاملة للأصول القديمة، ما يعزز جودة الأصول العقارية ويفتح المجال للحصول على شروط إيجارية أفضل مستقبلاً، وفق سعود القويفل، مدير البنية التحتية والعقارات في ديلويت الشرق الأوسط.
أما المطورون فلديهم رؤية لافتة تتوقع أن يستفيد جميع أطراف القطاع من تجميد الإيجارات في العاصمة خمس سنوات، يقول حامد بن حمري الرئيس التنفيذي لشركة تمكين للاستثمار والتطوير العقاري إنه حتى الشركات التي تملك عقارات تعرضها للاستئجار ستحقق استقراراً مع ثبات الدخل المتوقع نظراً لأنها كانت قد اقتربت من الحد الأقصى لأسعار الإيجارات وباتت مهددة بشغور الوحدات إذا قرر المستأجرون الانتقال بحثاً عن أسعار أقل، لافتاً إلى أن العقارات المملوكة لعدد من هذه الشركات “قديمة ويتجاوز عمر بعضها 15 عاماً وبالتالي تم استهلاك تكلفتها بالكامل والإيرادات السنوية تمثل أرباحاً صافية”.
بحسب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للعقار عبدالله الحماد فالسبب المباشر للقفزات السعرية هو الفجوة بين العرض والطلب، نافياً أن يكون هناك احتكار بالسوق، حيث أفصح، خلال مؤتمر صحفي مؤخراً، أن سوق الإيجارات في مدينة الرياض تضم أكثر من 1.17مليون وحدة، منها 838 ألف وحدة سكنية، و332 ألف وحدة تجارية، بينما يتجاوز عدد ملاك هذه الوحدات 200 ألف.
الرئيس التنفيذي لشركة قيمة المالية إبراهيم النويبت لفت إلى نقطة إضافية ستعوض شركات العقار التي تعمل في سوق التأجير وهي أنه سيكون لديها فرصة لامتلاك مواقع جديدة نتيجة انخفاض أسعار الأراضي، ما سيقلص هامش المخاطرة.
من أهم الشركات التي ستتأثر إيجاباً بالقرار وفق النويبت: النهدي، والدواء، واكسترا، وجرير وغيرها من قطاع التجزئة التي تملك فروعاً مستأجرة، ولن تعاني خلال الفترة المقبلة من الارتفاع الدوري في تكلفة الإيجار.
هل يؤثر القرار على جاذبية الرياض للاستثمار العقاري؟
وفق عمار حسين من المرجح أن يؤدي القرار، على المدى القصير إلى المتوسط، إلى تراجع الاستثمارات المعتمدة على المضاربة والعوائد السريعة. فرأس المال المؤسسي يفضّل بيئات تنظيمية مستقرة وقابلة للتوقع، فيما تسهم التغييرات المفاجئة في السياسات في رفع مستوى المخاطر المُتصوَّرة.
ويتفق مع هذا التحليل سابانا جاجتياني الذي قال إن تجميد الإيجارات قد يدفع المستثمرين الذين يركزون على العوائد الإيجارية إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم. إلا أن وكالة “إس آند بي” (S&P) ترى أن النظرة المستقبلية للعقار في الرياض تظل إيجابية على المدى الطويل، مدعومة بنمو المعروض وتطور البنية التحتية، ما قد يعزز من فرص الاستثمار رغم القيود المؤقتة على العوائد.
التفرقة بين التأثير القريب والآخر على المدى الأبعد هو ذات ما تراه ديلويت الشرق الأوسط ويقول سعود القويفل من المرتقب أن يعزّز القرار جاذبية سوق الرياض أمام المستثمرين الباحثين عن عوائد مستقرة وطويلة الأجل، لاسيما في قطاعات العقارات التجارية والمكتبية. في المقابل، قد يتريث المستثمرون قصيرو الأجل الذين يفضّلون عوائد أسرع وأكثر ارتفاعاً. وبصورة عامة، يعزز القرار توجّه الاستثمار المؤسسي طويل الأجل، ويرفع من جاذبية العاصمة السعودية كوجهة مفضّلة للاستثمار الأجنبي المباشر.
أما خالد المبيض فيتوقع تحول جزء من الاستثمارات إلى مدن أخرى لم تخضع لتجميد الإيجارات، لكنه مع ذلك يؤكد أن الاستثمار التطويري سيظل جذابًا إذا سُرّعت التراخيص والبنية التحتية وتوفّر التمويل؛ التجميد يخلق يقينًا سعريًا للمستأجر وقراءة أوضح للطلب، لكنه قد يدفع بعض المستثمرين لتفضيل صيغ البيع.
من وجهة نظر المطورين فمستقبل الاستثمار العقاري في الرياض مزدهر، بالنظر إلى الأنشطة والفعاليات الرياضية والسياحية والثقافية والاقتصادية التي تمتلىء بها وتزيد جاذبيتها للكن كل يوم، حسب حامد بن جمري.
تستضيف السعودية فعاليات عالمية كبرى ابتداء من 2027 الذي يشهد إقامة كأس آسيا لكرة القدم، وفي 2030 ستكون الرياض على موعد مع معرض “اكسبو” الدولي، ثم يأتي المونديال في 2034. وتخطط المملكة لبناء أما يقرب من 200 ألف غرفة فندقية جديدة لاستضافة ملايين الزائرين، الذين ستسحوذ الرياض على الحصة الأكبر منهم
ولفت الرئيس التنفيذي لشركة تمكين إلى أن تثبيت قيمة الإيجارات يوازنه من الناحية الأخرى ضخ قطع أراضي إلى السوق بفرض رسوم على الأراضي البيضاء ما سيؤدي إلى تخفيض تكلفة الأرض التي كانت مبالغاً فيها، وبالتالي لن تفقد العاصمة جاذبيتها للاستثمار العقاري
ما التأثير المتوقع على أسعار العقارات؟
يتفق المحللون الذين استطلعت “الشرق” آراءهم على أن منع زيادة الإيجارات قد يؤدي لانخفاض محدود في أسعار البيع لكن مع شرط زيادة المعروض من العقارات الجديدة.
أوضح سابانا جاجتياني أن انخفاض العوائد الإيجارية مقارنة بخطط الملاك السابقة على صدور القرار قد تدفعهم لإعادة تشكيل إعادة تشكيل استراتيجياتهم نحو البيع بدلاً من التأجير، لكنه يرجح أن يظل التراجع محدوداً في ظل الطلب القوي المستمر على المساكن في الرياض.
ماثيو غرين، رئيس قسم الأبحاث، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في CBRE يتوقع أن تُسهم آلية ضبط الإيجارات في كبح جماح الأسعار، إلا أن ديناميكيات السوق العقارية ستظل خاضعة لقوانين العرض والطلب. وهذا يعني أن تقليص التكاليف الحقيقية يتطلب تسريع وتيرة التطوير العقاري، بما يعزز المنافسة ويوسّع الخيارات المتاحة أمام المستأجرين والمشترين.
زيادة المعروض هي كلمة السر التي قد تؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار البيع، حتى أن وزير الإسكان ماجد الحقيل، في كلمته خلال المؤتمر الصحفي الحكومي، اعتبر أن زيادة العرض سيكون تأثيره أهم من تبيت الإيجارات. وأعلن الوزير عن برنامج باسم “بناء للإيجار” لتحقيق هذا الهدف.
وزير الإسكان السعودي: تثبيت الإيجارات مهم لضبط السوق والأهم زيادة المعروض العقاري
رأى سعود القويفل أن القرار سيؤدي لإبطاء وتيرة الزيادات السعرية المدفوعة بالإيجارات، نتيجة لتقييد قدرة الملاك على رفع الأسعار. مع ذلك، سيختلف التأثير تبعاً للموقع ونوعية العقار.
الأثر الإجمالي سيكون تهدئة أسعار البيع ومنع التضخم السعري المفرط، حسب محمد الميموني.
بينما يلفت خالد المبيض إلى ضبط الإيجارات قد يقلص المعروض ويدفع شريحة من الطلب نحو التملك ويرفع النشاط في سوق البيع إذا لم تُزاد المعروضات بسرعة؛ مؤكداً أن “التأثير الصافي بالرياض سيتوقف على سرعة ضخ المعروض عبر الرسوم والمشاريع الحكومية”.
الرسوم على الأراضي البيضاء هل تتعارض مع تثبيت الإيجارات؟
قرار تجميد الإيجارات في الرياض لم يصدر منفرداً إنما جاء ضمن حزمة إجراءات لإعادة تنظيم السوق وتصحيح أوضاعه، وشملت رفع الإيقاف عن تطوير أكثر من 81 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في شمال الرياض، وتوفير عشرات الآلاف من القطع السكنية سنوياً بأسعار ميسّرة للمواطنين، بالإضافة لفرض رسوم على الأراضي البيضاء لتحفيز الملاك على المسارعة بتطويرها.
إقرأ أيضاً: إجراءات سعودية للحد من ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات في الرياض
لكن السؤال المطروح بشدة في السوق العقارية هو حول تأثير قرار الإيجارت الجديد على تطوير المشاريع .
من زاوية رؤية المطورين فإن هذه الإجراءات ستعيد أسعار الأراضي إلى النطاق المقبول استثماريا بعد أن كانت قد ارتفعت إلى أرقام خيالية، حسبما يرى حامد بن حمري.
مدة 5 سنوات هي فترة كافية لإنجاز المشاريع الجديدة بعد ضخ قطع الأراضي إلى السوق، بل إن بن جمري أشار إلى أن وجود مراجعة سنوية للقرار ربما تؤدي للتبكير برفع منع الزيادات.
وفق محمد الميموني فإن القانون قد يخلق نوعاً من الحذر لدى المطورين في حساب العائد المتوقع من المشاريع الجديدة، لكن بما أن مدة التثبيت محددة بـ خمس سنوات، أعتقد أنها فترة كافية لمعظم المشاريع التطويرية التي عادةً ما تستغرق 3 إلى 5 سنوات في دورة التطوير والتأجير.
وأضاف أن الرسوم على الأراضي البيضاء تبقى محفزاً قوياً لتفعيل المشاريع، وبالتالي لن يُلغي القانون الجديد الدافع للتطوير، بل ربما يعزز التخطيط الأفضل للمشاريع العقارية ويشجع على تنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد الكامل على الإيجارات.
كما رأى خالد المبيض أن خمس سنوات تكفي لإنجاز مراحل رئيسية لمعظم المشاريع السكنية والتجارية، لذا فالمدة معقولة لتفعيل الرسوم وتسريع البناء دون الاعتماد على نمو الإيجار كرافعة وحيدة للعائد.
ويشرح عمار حسين أن ربط رفع رسوم الأراضي البيضاء (من 2% إلى 10%) مع قرار تثبيت الإيجارات ضمن إطار متكامل: الرسوم تحفز على استثمار الأراضي، بينما يهدف تثبيت الإيجارات إلى كبح الارتفاعات المضاربية. هذا التناغم بين السياسات يُسهم في إعادة التوازن إلى معادلة العرض والطلب، وتسريع تطوير مشاريع سكنية بأسعار معقولة.
ساهم في هذا التقرير: رهام الشايب [email protected]