تشعر إسرائيل بضغوط عامين من الحرب في غزة على جبهات متعددة، بدءاً من سياستها الداخلية وسلامة اقتصادها إلى مكانتها الدولية.

ولكن إذا لم تفض المحادثات القائمة إلى وقف نهائي لإطلاق النار، فإن استمرار الصراع يهدد بتكاليف أعلى. راهناً، يمكن لإسرائيل تحمل هذه التكاليف، لكن بمرور الوقت، سيزداد تلافيها صعوبةً.

السياسة الداخلية

كان المشهد الداخلي صعباً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقود ائتلافاً هشاً مع يمين متطرف يدعم وزراؤه احتلال غزة، ويعارضون وقف إطلاق النار. وهذا يعطيه دافعاً للمضي قدماً في الحرب.

يجب عليه إرضاؤهم وإلا واجه خطر انتخابات قد يخسرها، وقد يجد نفسه عرضةً لاتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وقد وُجهت إليه اتهامات بارتكابها.

ورغم أن نتنياهو استغل حرب غزة، والحرب ضد إيران و”حزب الله” في المنطقة، لحشد الدعم، لكنه يواجه اليوم موقفاً أصعب. تستنزف الحرب الموارد الإسرائيلية، ما يتسبب باستياء متزايد بين الجمهور والمسؤولين السابقين، تماماً كما تتزايد ضغوط إدارة دونالد ترمب لإنهاء الحرب.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونتنياهو في 29 سبتمبر أنهما اتفقا على خطة من 20 نقطة لإنهاء الحرب، بعد أن انتزع ترمب اعتذاراً إسرائيلياً من قطر عن هجومها في 9 سبتمبر.

ثم اضطر نتنياهو إلى تسويق الصفقة في وطنه، فقد نشر مقطعاً مصوراً على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العبرية يلخص فيه أن إسرائيل لم توافق على دولة فلسطينية، وأن القوات ستبقى في غزة، وهو ما يتناقض على ما يبدو مع ما ورد في الصفقة.

انتقد وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريش الصفقة. وكان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير غاضباً من اعتذار نتنياهو لقطر. سبق أن هدد كلا الوزيرين اليمينيين المتطرفين بمغادرة الائتلاف وإسقاط الحكومة مقابل أسباب أقل بكثير من هذه. ويصبح خطر انهيار الائتلاف حقيقياً أكثر مع تقدم المحادثات غير المباشرة مع “حماس” وتوصلها لاتفاق.

الأثر الاقتصادي

تُثقل الحرب كاهل الاقتصاد الإسرائيلي، لكن ليس بما يكفي لإجباره على التهدئة. لقد شهدت إسرائيل نمواً سنوياً بنسبة 4% قبل الحرب؛ والآن توقف هذا النمو.

منذ أكتوبر 2023، تراكم هذا الركود ليصل إلى عجز بنسبة 7%، وهي ضربة تُضاهي ما تعرضت له الولايات المتحدة خلال الأزمة المالية العالمية. وبلغ الدخل المفقود لكل مواطن إسرائيلي حوالي 4000 دولار.

كما تضررت الميزانية العمومية للحكومة. ويتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن يرتفع الدين إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2028، وهو أعلى بكثير من توقعات ما قبل الحرب البالغة 57%. تُترجم هذه الفجوة إلى حوالي 70 مليار دولار من الاقتراض الإضافي.

اقرأ أيضاً: اقتصاد الحرب الإسرائيلي يهدد النمو ولا يقتصر على الأسعار

قد لا يتعافى الركود الاقتصادي الإسرائيلي بسرعة. بعض هذه الصدمات مؤقتة مثل غياب الجنود عن العمل، واضطرابات الأعمال المرتبطة بالحرب، وتكاليف النزوح وعدم اليقين. ولكن يمكن أن تتحول الضربات الأخرى إلى أضرار دائمة مثل هروب رأس المال والهجرة إلى الخارج وارتفاع تكاليف الاقتراض وتضخم ميزانيات الدفاع.

مع ذلك، تتمتع إسرائيل بوفرة من المال، ومع أكثر من 200 مليار دولار من الاحتياطيات والمساعدات الأميركية الثابتة، تظل الحرب في متناول اليد. تستمر الفاتورة في الارتفاع، ولكن ليس بما يكفي لفرض نهاية للصراع، ما لم يستغل الرئيس ترمب المساعدات الأميركية للدفع من أجل السلام.

تضاؤل ​​النفوذ الدولي؟

تغير الحرب في غزة الانطباعات الدولية عن إسرائيل. حتى في الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل، تغير الرأي العام فيها 180 درجة، وأصبح الآن غير مواتٍ تجاه إسرائيل وحملتها في غزة، إذ يعارض غالبية الأميركيين إرسال تمويل وأسلحة إضافية إلى إسرائيل. راهناً، لم يترجم هذا إلى أي تحول في موقف الولايات المتحدة من إسرائيل.

بين العالم العربي، ازداد العداء تجاه إسرائيل أيضاً. ترى عدة دول إقليمية الآن أن إسرائيل تشكل خطراً أكبر على الأمن الإقليمي من إيران.

اقرأ أيضاً: العالم يتبنى دولة فلسطين.. ماذا بعد؟

هذا له تأثير ملموس على المصالح الإسرائيلية، إذ اتخذت عدة دول غربية تدابير عقابية ضد إسرائيل، وما لم تتوقف الحرب، فقد تواجه إسرائيل ومسؤولوها عقوبات إضافية وتخارج استثمارات. كما يدرس الاتحاد الأوروبي تقييد التجارة مع إسرائيل، وهو اقتراح قد يكتسب زخماً إذا بقيت الحرب.

ستتفاقم معاناة إسرائيل لإعادة تسليح نفسها بسبب القيود المتزايدة على صادرات الأسلحة إليها. توقفت ألمانيا، التي تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، عن إرسال الأسلحة لاستخدامها في حرب غزة، بعد إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى.

الرياضة والثقافة في إسرائيل تدفعان الثمن

كما تتلقى القوة الناعمة لإسرائيل ضربة. ازداد الضغط لطرد البلاد من الأحداث الثقافية والرياضية الدولية. في نوفمبر، ستجري مسابقة الغناء الأوروبية تصويتاً لتحديد ما إذا كان سيُسمح لإسرائيل بالمشاركة.

كما ازدادت الدعوات لتعليق عضوية إسرائيل في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. ودعا بعض الممثلين في هوليوود إلى مقاطعة المؤسسات السينمائية الإسرائيلية، بينما عارضها آخرون.

ودعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى مقاطعة واسعة النطاق لإسرائيل في الأحداث الرياضية، كما حدث مع روسيا في أعقاب الحرب على أوكرانيا.

اقرأ أيضاً: في الذكرى الثانية لحرب غزة.. صندوق عالمي جديد يعاقب إسرائيل

فرضت بعض الدول قيوداً على سفر المسؤولين والمواطنين الإسرائيليين، إذ منعت هولندا وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف من الزيارة؛ ومنعت جزر المالديف المواطنين الإسرائيليين من السفر إلى هناك؛ وقد يؤثر تغيير مقترح لقواعد تأشيرة الاتحاد الأوروبي، على الإسرائيليين. ومع ذلك، تظل هذه الإجراءات محدودة راهناً.

خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، نفذت العديد من الدول الغربية تعهدها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ما يزال الاعتراف، على الرغم من رمزيته إلى حد كبير، مهماً للفلسطينيين، الذين يسعون إلى تقرير المصير، وبسبب الضغط الذي يفرضه على إسرائيل.

تضاءلت احتمالات التطبيع مع مزيد من الدول العربية. وفي حين أن هذا على الأرجح لا يثير قلق نتنياهو طالما أن اهتمام الرأي العام الإسرائيلي منصب على الحرب، إلا أن التطبيع مع الدول العربية كان ركيزة من ركائز سياسته الخارجية، بهدف منح إسرائيل شرعية أكبر في المنطقة مع عزل إيران.

هل يتحول التيار لصالح إسرائيل؟

يدعم المجتمع الدولي، والدول العربية على وجه الخصوص، اليوم خطة ترمب المكونة من 20 نقطة لإنهاء الحرب.

لكن الدول العربية أعربت أيضاً عن إحباطها إزاء التغييرات الإسرائيلية المتأخرة في الشروط النهائية للخطة، والتعنت في قضايا رئيسية مثل انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، ورسم مسار يؤدي إلى الدولة الفلسطينية.

إذا التزمت كل من إسرائيل و”حماس” بوقف إطلاق النار، فقد يتحول التيار مرة أخرى لصالح إسرائيل، ويعكس بعض هذا التأثير. لكننا نقدر أن احتمالية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم وطويل الأمد ضئيلة، مما يعني أن تكاليف الحرب ستستمر على الأرجح في الارتفاع بالنسبة لإسرائيل.

شاركها.