فوز الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، بمكانة دولية رفيعة ليس مجرد خبر بروتوكولي عابر أو تكريم عادي يمر مرور الكرام، بل هو حدث يستحق أن نتوقف أمامه طويلًا، لأنه يحمل في طياته رسائل عميقة عن وجه مصر الحضاري، وعن تلك القوة الناعمة التي طالما تميزت بها مصر منذ آلاف السنين، واستطاعت أن تجعل منها دولة قادرة على التأثير والإلهام في محيطها والعالم بأسره.

خالد العناني ليس مجرد أستاذ جامعي بارع أو وزير سابق ناجح، بل هو نموذج للعقل المصري حين يتسلح بالعلم والمعرفة والقدرة على مخاطبة العالم بلغة يفهمها الجميع. فقد نجح خلال سنوات عمله في أن يجعل من الآثار المصرية لغة دبلوماسية وسياسية، ومن السياحة جسرًا للتواصل الحضاري بين الشعوب، ومن الثقافة قوة تفاوضية لا تقل أثرًا عن أي سلاح أو أداة من أدوات القوة الصلبة. إن حضوره الدولي اليوم يثبت أن مصر قادرة على إنتاج الرموز القادرة على المنافسة، وأن أبناءها ما زالوا يمثلون قوة بشرية وعلمية تستطيع أن تحمل اسمها إلى كل مكان.

هذا الفوز يؤكد أن القوة الناعمة ليست مجرد شعار يتردد في الخطابات، وإنما هي حقيقة متجذرة في تاريخ مصر. فمنذ فجر الحضارة، ومصر تقدم للعالم نموذجًا متفردًا يقوم على الفكر والفن والمعرفة والإبداع، قبل أن يقوم على القوة العسكرية أو الهيمنة الاقتصادية. اليوم، ونحن نحتفي بإنجاز خالد العناني، نجد أنفسنا أمام سؤال ملح: كيف يمكن تحويل هذه النجاحات الفردية إلى سياسة دولة متكاملة، تجعل من كل عالم وفنان ومبدع مصري سفيرًا دائمًا لمصر؟

المطلوب أن يكون هناك تبنٍ مؤسسي لهذه الكفاءات، وأن تُدرج القوة الناعمة ضمن أولويات الأمن القومي المصري. فالعالم الآن لا يقاس فقط بترسانات السلاح أو بحجم الاقتصاد، وإنما يقاس أيضًا بالقدرة على التأثير وصناعة الصورة الذهنية الإيجابية. مصر تمتلك مخزونًا حضاريًا وثقافيًا هائلًا، لكن الأهم هو كيفية استثماره واستدامة روايته للعالم، بحيث تصبح “الحكاية المصرية” حاضرة في كل المنتديات والفضاءات الثقافية والسياسية والإعلامية.

ويكتسب هذا الإنجاز معنى خاصًا بكونه يتزامن مع شهر أكتوبر، شهر الانتصارات، ذلك الشهر الذي يذكرنا دومًا بقدرة مصر على تحدي المستحيل وصناعة المجد. فإذا كان أكتوبر قد جسد أعظم انتصار عسكري في تاريخنا الحديث، فإن فوز خالد العناني يرمز إلى انتصار حضاري وفكري في ساحة مختلفة، لكنه لا يقل قيمة ولا أثرًا. ففي الميدان انتصرنا بالسلاح والإرادة، واليوم ننتصر بالفكر والثقافة والعلم والإبداع، لنؤكد أن مصر قادرة على أن تحقق الإنجازات على كل المستويات.

إن هذا الفوز لا يُحسب لشخص خالد العناني وحده، وإنما لمصر كلها، لأنه يعكس حقيقة أن أبناء هذا الوطن، أينما وُجدوا، قادرون على أن يكونوا سفراء لها. وهو في الوقت نفسه تذكير بأن القوة الناعمة المصرية ليست ذكرى من الماضي أو إرثًا محنطًا، بل هي مشروع مستقبلي متجدد يعيد تقديم مصر للعالم، ويثبت أن الحضارة المصرية لا تزال حيّة في عقول أبنائها وفي قدرتهم على الإبداع والتأثير.

هكذا تنتصر مصر مرة أخرى، وتبعث برسالة إلى العالم أن هذه الأمة لا تُقاس فقط بما مضى من أمجادها، بل بما تصنعه اليوم وما ستقدمه غدًا، وأنها قادرة دائمًا على أن تبقى في الصدارة، تصنع الرموز، وتصدّر الأمل، وتثبت أن الحضارة المصرية مشروع متجدد لا ينطفئ.

شاركها.