بعد 20 عاماً من الترميم ، تم انجاز الحدث التاريخي بالأقصر.. وافتتاح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بوادي الملوك ، وسط ترقب وحضور عالمى.

افتتاح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بوادي الملوك

في مشهد مهيب يعيد للأذهان عظمة الفراعنة، شهدت محافظة الأقصر صباح اليوم افتتاح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بوادي الملوك، بعد أن استعادت بريقها من جديد عقب عشرين عامًا من أعمال الترميم والتأهيل، التي تمت بدعم من منظمة اليونسكو والحكومة اليابانية وبإشراف وزارة السياحة والآثار.

وشارك في الافتتاح الدكتور شريف فتحي وزير السياحة والآثار، والدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وعدد من قيادات الوزارة وخبراء الترميم، إلى جانب حضور وفود دولية تمثل منظمة اليونسكو والسفارة اليابانية، في احتفالية عالمية تعكس اهتمام المجتمع الدولي بالحضارة المصرية.

المقبرة التي يعود تاريخ اكتشافها إلى عام 1799، كانت مغلقة أمام الزيارة لعقود طويلة بسبب تدهور حالتها، إلى أن بدأ مشروع ضخم لإعادة إحيائها عام 2004، استمر حتى عام 2024، على ثلاث مراحل متتالية أعادت الحياة إلى جدرانها المليئة بالنقوش المبهرة التي تحكي قصص الملك الأشهر في الدولة الحديثة.

الفرعون الشمس

ويُعد أمنحتب الثالث، المعروف بلقب “الفرعون الشمس”، من أعظم ملوك مصر القديمة، إذ شهد عصره نهضة فنية ومعمارية غير مسبوقة، جعلت من مصر وقتها سيدة العالم القديم في المجد والثراء والقوة.

مصر مستمرة في الحفاظ على تراثها الإنساني

وأكد وزير السياحة والآثار أن افتتاح المقبرة يمثل رسالة جديدة بأن مصر مستمرة في الحفاظ على تراثها الإنساني، وأن ما يخرج من باطن أرضها من كنوز لا يزال يبهر العالم، مشيراً إلى أن هذا المشروع يجسد التعاون المثمر بين مصر وشركائها الدوليين في صون التراث العالمي.

جولة داخل المقبرة

واختتم الافتتاح بجولة داخل المقبرة، حيث أبهر الحضور جمال النقوش والألوان التي استعادت رونقها الأصلي، لتعود المقبرة اليوم كتحفة فنية تؤكد أن الأقصر ستظل عاصمة التاريخ ووجهة العالم لعشاق الحضارة المصرية القديمة.

في قلب وادي الملوك غرب الأقصر تقف مقبرة الملك أمنحتب الثالث، أحد أعظم ملوك مصر القديمة، لتروي فصولًا من عبقرية الفن المصري القديم، بعد أن استعادت بريقها ضمن مشروع عالمي هو الأضخم من نوعه استمر أكثر من عشرين عامًا بدعم من منظمة اليونسكو والحكومة اليابانية وبإشراف وزارة السياحة والآثار المصرية.

المشروع الذي حمل اسم “صيانة اللوحات الجدارية لمقبرة الملك أمنحتب الثالث” نُفذ على ثلاث مراحل متتابعة بدأت الأولى ما بين 2001 و2004، ثم الثانية من 2010 إلى 2012، وصولًا إلى المرحلة الثالثة والأخيرة (2022 – 2024) التي أعادت للمقبرة سحرها القديم بتعاون بين جامعة هيباشي نيبون الدولية باليابان ومكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة.

شارك في أعمال الترميم فريق دولي ضم خبراء مصريين ويابانيين وإيطاليين، ونفذوا أعمال صيانة شاملة شملت اللوحات الجدارية والأعمدة والأسقف داخل الغرف (E) و(I) و(J) “حجرة التابوت”، إلى جانب ترميم وإعادة تركيب غطاء التابوت الجرانيت الأحمر وتجميع أكثر من 300 قطعة أثرية متناثرة داخل المقبرة.

أما المرحلة الثالثة فقد ركزت على ترميم الشروخ وتنظيف الصور الجدارية وتثبيت الألوان وتنقية الأسطح الحجرية، مع تركيب أجهزة تحكم بيئي متطورة ومتابعة نشاط الكائنات الحية الدقيقة لضمان حماية النقوش على المدى الطويل، فضلًا عن أعمال الصيانة الوقائية للقطع الأثرية بالمخازن.

ولم تقتصر الجهود على الترميم فقط، بل تضمنت تدريب 195 متخصصًا مصريًا على تقنيات الحفظ والإدارة المتقدمة لمواقع التراث الثقافي، إضافة إلى تنظيم ورش عمل توعوية للأطفال والشباب والنساء لتعزيز وعي المجتمع بأهمية حماية التراث، وهو ما جعل المشروع نموذجًا فريدًا في الدمج بين الحفاظ على الأثر وتنمية الوعي الإنساني.

وبفضل هذا التعاون الممتد لعقدين من الزمن بين مصر واليابان واليونسكو، أصبحت المقبرة اليوم جاهزة لاستقبال الزوار ضمن خطة متكاملة لإدارة الموقع وتأمينه، لتستعيد مكانتها الفريدة داخل موقع “طيبة القديمة ومقابرها” المسجل على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1979.

وتُعد مقبرة أمنحتب الثالث (KV 22) واحدة من أكبر المقابر الملكية في طيبة، وقد شُيدت للملك أمنحتب الثالث (1390 – 1352 ق.م) أحد أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة، الذي شهد عصره ذروة الازدهار السياسي والفني والاقتصادي، وامتد نفوذه إلى الشرق والجنوب في أوج قوة الدولة المصرية القديمة.

الملك أمنحتب الثالث هو ابن تحتمس الرابع والملكة موت إم ويا، وزوج الملكة تي التي نالت مكانة استثنائية في التاريخ المصري، ونُحت لهما تمثال ضخم معروض حاليًا في المتحف المصري بالقاهرة. كما ترك الملك بصمات معمارية خالدة أبرزها معبد الأقصر وتماثيل ممنون وإضافاته العظيمة في معبد الكرنك.

أما تصميم المقبرة، فيتشابه مع تصميم مقبرة تحتمس الرابع (KV 43)، ورغم طول فترة حكم الملك فإن الزخارف لم تكتمل إلا في الأجزاء الجوهرية، وخاصة حجرة الدفن التي تتزين بسقف منقوش بالنجوم الصفراء على خلفية زرقاء ترمز إلى السماء الأبدية. وتظهر على الجدران مناظر الملك وهو يتلقى علامة الحياة من المعبودات “أمنتت” و”أنوبيس” و”أوزير”، إضافة إلى مناظر تجمعه بروح والده أمام المعبودتين “حتحور” و”نيت”.

كما تحتوي المقبرة على نصوص من كتاب “إمي دوات” الذي يصف رحلة الملك في العالم الآخر، وقد نُقلت مومياء أمنحتب الثالث في العصور اللاحقة إلى خبيئة مقبرة أمنحتب الثاني (KV 35) ضمن مجموعة من الملوك، كما عُثر في نفس الخبيئة على مومياء يُعتقد أنها تخص الملكة تي.

إن اكتمال هذا المشروع العالمي يعكس قوة التعاون الدولي في صون التراث الإنساني، ويؤكد الدور الرائد لمصر في حماية آثارها، حيث تعود مقبرة أمنحتب الثالث اليوم لتفتح أبوابها أمام العالم شاهدًا جديدًا على خلود الحضارة المصرية وعظمة فنونها الخالدة.

 

شاركها.