بعد توقف دام أكثر عامين عاد نفط كردستان العراق يوم السبت الماضي ليتدفق مجدداً عبر أنبوب جيهان التركي، في خطوة وُصفت بالتاريخية أعادت ترتيب المصالح بين بغداد وأربيل وأنقرة. فالاتفاق الجديد يمنح الحكومة الاتحادية السيطرة على صادرات الإقليم، بينما يوفر لأربيل متنفساً مالياً، في وقت تراقب فيه السوق العالمية الأثر المحتمل على أسعار الخام وسط مخاوف من فائض المعروض. في السطور التالية نستعرض بداية الأزمة وتطوراتها حتى الآن وتأثيراتها المحتملة على السوق.

لماذا توقف تصدير نفط كردستان من الأساس؟ 

ترجع أزمة تصدير نفط الإقليم عبر الأنبوب العراقي-التركي إلى مارس 2023 حينما أوقفت تركيا ضخ النفط عقب حكم صادر عن محكمة تحكيم ألزمها بدفع 1.5 مليار دولار للعراق تعويضاً عن صادرات نفط غير مصرح بها من الإقليم بين عامي 2014 و2018.

كان العراق قد تقدم بطلب تحكيم في عام 2014 إلى غرفة التجارة الدولية، ومقرها باريس، بشأن دور تركيا في تسهيل الصادرات من الإقليم دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد. وبحسب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين كبد هذا التوقف البلاد خسائر تجاوزت 22 مليار دولار من الإيرادات.

قد يهمك أيضاً: خط نفط “العراق-تركيا” يتوقف رسمياً.. ماذا يعني هذا القرار؟

تم توقيع الاتفاقية الأصلية بين العراق وتركيا في 27 أغسطس 1973، ودخل خط كركوك- جيهان حيز التشغيل الفعلي في عام 1977، وكان هدفه تمكين العراق من تصدير نفطه للأسواق العالمية عبر المتوسط، بعيداً عن مضيق هرمز.

في البداية، كانت الحكومة العراقية المركزية تمتلك وتُشغل الخط بالكامل، لكن بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، بدأ إقليم كردستان بتطوير بنيته التحتية النفطية الخاصة، وربط بعض الحقول بخط جيهان عبر أنابيب جديدة أنشأها الإقليم، ما مكنه من تصدير النفط بشكل شبه مستقل عن بغداد.

أثار هذا التوجه خلافات قانونية وسياسية بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، وأدى إلى توترات قانونية مع بغداد، التي رفضت هذا التوجه باعتباره انتهاكاً للسيادة الوطنية.

ما أهمية هذا الاتفاق؟ 

العراق يصف الاتفاق بأنه تاريخي وتتسلّم بموجبه وزارة النفط الاتحادية النفط الخام المُنتَج من الحقول الواقعة في إقليم كردستان، وتقوم بتصديره عبر الأنبوب العراقي التركي، على حد قول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي أضاف في تدوينة على “إكس”: “ذلك يضمن التوزيع العادل للثروة، وتنويع منافذ التصدير، وتشجيع الاستثمار، وهو إنجاز انتظرناه 18 عاماً”.

الاتفاق يشمل “وضع آليات فنية وتنظيمية واضحة تضمن انسيابية التصدير والتزام الشفافية في إيرادات النفط، بما يسهم في زيادة مدخولات الموازنة الاتحادية”، وفق بيان وزارة النفط العراقية، كما أن المباحثات التي أفضت إلى هذا الاتفاق انطلقت “من رؤية وطنية مشتركة تهدف إلى تعزيز دور العراق كلاعب رئيس في سوق الطاقة العالمية”.

اقرأ أيضاً: اتفاق بين العراق وشركات النفط العالمية يعزز آمال استئناف صادرات إقليم كردستان

الاتفاق لاقى ترحيباً أيضاً من الإدارة الأميركية، وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في بيان: “نُرحّب بالإعلان عن توصل حكومة العراق إلى اتفاق مع حكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لإعادة فتح خط أنابيب العراق–تركيا، وهو اتفاق سعت الولايات المتحدة إلى تسهيله، وسيحقق فوائد ملموسة لكل من الأميركيين والعراقيين”.

وأضاف: “سيُسهم هذا الاتفاق في تعزيز الشراكة الاقتصادية المتبادلة المنفعة بين الولايات المتحدة والعراق، وتشجيع بيئة استثمارية أكثر استقراراً في عموم العراق للشركات الأميركية، وتعزيز أمن الطاقة الإقليمي، وترسيخ سيادة العراق”. 




أبرز المستفيدين من اتفاق تصدير نفط كردستان:

* الحكومة الاتحادية في بغداد

تستعيد التحكم في تصدير نفط الإقليم عبر شركة “سومو”، وبالتالي السيطرة على كل الواردات النفطية”، وفق وزير النفط حيان عبد الغني، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العراقية “واع”، مشيراً إلى أن “عمليات الضخ تسير بشكل منتظم وستشهد تصاعداً في الأيام المقبلة”. 

من جانبها، أكدت “سومو” أن العراق يستطيع تصدير كميات أكبر من النفط بعد عودة أنبوب جيهان، فيما أشارت الى أنه لديها كميات نفط فائضة سيتم تعويضها، وفق “واع”. ويصدر العراق حالياً 3 ملايين و400 ألف برميل يومياً من مجموع 4 ملايين. 

* إقليم كردستان

سيساهم استئناف صادرات النفط عبر خط الأنابيب الذي يربط بين العراق وتركيا في تخفيف الضغط الاقتصادي الذي أدى في الآونة الأخيرة إلى تأخير في دفع رواتب العاملين في القطاع العام وتخفيض الإنفاق في الخدمات الأساسية. 

اتفق العراق مع الإقليم في يوليو على تزويد شركة “سومو” بكامل إنتاج الإقليم البالغ نحو 230 ألف برميل يومياً، مقابل سلفة قدرها 16 دولاراً للبرميل (عيناً أو نقداً) وفق قانون تعديل الموازنة، على ألّا تقل الكمية عن 230 ألف برميل يومياً، مع إضافة أي زيادة في الإنتاج عبر لجنة القياس والمعايرة المشتركة، وفق “بلومبرغ”. وصرح رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني بأن اتفاقية تصدير النفط تمثل “إنجازاً كبيراً” للشعب العراقي معرباً عن أمله في “أن تحسن هذه الاتفاقية البنية التحتية الاقتصادية لخدمة جميع المواطنين”.

* الشركات النفطية المنتجة

وافقت 8 شركات دولية، تشكل مجتمعة أكثر من 90% من إنتاج إقليم كردستان، في وقت سابق على اتفاق التصدير. في المقابل، تحفظت شركة “دي إن أو” النرويجية (DNO ASA)، المشغلة لرخصة “طاوكي”، مطالبةً بـ”اتفاقيات تضمن السداد عن المتأخرات السابقة والصادرات المستقبلية”. 

من جانبها، دعت بغداد حكومة الإقليم وممثلي الشركات النفطية الأجنبية إلى اجتماع جديد لمناقشة تفاصيل استئناف التصدير وضمان سداد المتأخرات المالية. 

وتشمل قائمة الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم: “غلف كيستون بتروليوم”، و”إتش إن كي إنيرجي” (HKN Energy)، و”شاماران بتروليوم”، و”هانت أويل” (Hunt Oil).

* تركيا

تستفيد من رسوم النقل والاستيراد من خلال ميناء جيهان عن طريق خط الأنابيب كركوك- جيهان، كما أنها تعزز موقعها كمركز نقل للطاقة في المنطقة؛ أي فوائد استراتيجية واقتصادية.

*الحكومة الأميركية 

ضغطت من أجل استئناف التدفقات لأن زيادة المعروض يمكن أن تساعد في خفض أسعار الخام، وهو أمر جعلته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أولوية في الوقت الذي تعهدت فيه بخفض صادرات الخام من إيران المجاورة إلى الصفر، وفق “رويترز”.

كيف يؤثر الاتفاق على سوق النفط العالمية؟

الكميات الإضافية القادمة من الشمال تضيف إلى المخاوف المتعلقة بفائض في المعروض في السوق، التي يُرجح على نطاق واسع أنها تشهد فائضاً كبيراً بالفعل، وقبل استئناف الضخ، تنبأت وكالة الطاقة الدولية بحدوث فائض قياسي خلال العام المقبل مع استمرار تحالف “أوبك+” في رفع الإنتاج.

ويُعد العراق ثاني أكبر منتج في منظمة “أوبك”، إذ بلغ متوسط إنتاجه هذا العام نحو 4.2 مليون برميل يومياً، تُوجَّه غالبيتها عبر ميناء البصرة في الجنوب إلى الأسواق الآسيوية. غير أن  وعلى صعيد الأسعار، تراجع سعر خام برنت القياسي العالمي بنحو 11% منذ بداية هذا العام.

لكن مع ذلك وحتى الآن، قُوبل الاستعداد لإعادة تشغيل خط كردستان العراق بلا مبالاة من جانب السوق الأسبوع الجاري، إذ يتوقع تجار النفط أن خط الأنابيب سينقل الإمدادات التي كانت تُستخدم محلياً في البداية، بدلاً من أن يطلق تدفقاً كبيراً من النفط الجديد. 

اقرأ المزيد: لهذا السبب تتجاهل الأسواق عودة صادرات نفط كردستان العراق

هل توجد تحديات أمام استئناف تصدير النفط الكردي؟ 

نعم، توجد عقبات تتعلق بكيفية سداد الديون المستحقة، حيث لم توقع “دي إن أو” (DNO) وهي أكبر منتج دولي للنفط في إقليم كردستان العراق، على الاتفاق لأنها أرادت المزيد من الوضوح بشأن كيفية سداد الديون المستحقة، وفق “رويترز”. وقال بيجان موسافار رحماني الرئيس التنفيذي للشركة في بيان “اخترنا عدم البدء مباشرة في التصدير في الوقت الحالي وسنواصل بيع نفطنا على أساس شهري على أساس الدفع والتحميل للمشترين بسعر للبرميل في حدود 30 دولاراً أو أكثر قليلا”.

احتمال نشوب نزاعات قائمة على الحقوق القانونية والسياسات بين بغداد وإقليم كردستان أو تركيا وبالتالي تأخير أو تُوقّف تصدير النفط مرة أخرى.

شاركها.