سجل نشاط المصانع في الصين تحسناً طفيفاً خلال سبتمبر، لكنه ظل دون عتبة النمو للشهر السادس على التوالي في أطول سلسلة انكماش منذ عام 2019، ما يعكس تصاعد المخاوف بشأن تباطؤ اقتصادي محتمل بعد نمو قوي في بداية العام.
وقالت المصلحة الوطنية للإحصاء إن مؤشر مديري المشتريات الرسمي للقطاع الصناعي بلغ 49.8 نقطة في سبتمبر، مقارنة بـ49.4 نقطة في أغسطس، متجاوزاً التقديرات التي جمعتها “بلومبرغ” عند 49.6 نقطة. وتشير القراءات دون مستوى 50 إلى انكماش في النشاط.
أما النشاط غير الصناعي، والذي يشمل قطاعات البناء والخدمات، فقد تراجع إلى 50 نقطة مقابل 50.3 نقطة في أغسطس، ما يشير إلى تباطؤ تجاوز التوقعات.
ويعد هذا أول دليل رسمي على استمرار الضعف الاقتصادي في نهاية الربع الثالث، بعد أداء ضعيف في يوليو وأغسطس، وهما أسوأ شهرين للاقتصاد الصيني هذا العام.
ضغوط داخلية وخارجية
يتعرض القطاع الصناعي لضغوط من ضعف الطلب المحلي واستمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بالتعريفات الجمركية الأميركية، ما يضيف المزيد من التحديات أمام المصدّرين.
لكن مؤشرات فرعية مثل الإنتاج والطلبيات الجديدة سجلت ارتفاعاً مقارنة بالشهر السابق، وهو ما يشير إلى تحسن طفيف في الطلب، بحسب هوو ليهوي، كبير الإحصائيين في المصلحة الوطنية للإحصاء.
في المقابل، انكمشت مؤشرات مرتبطة بأنشطة السفر، مثل خدمات الطعام والثقافة والترفيه، مع انتهاء موسم العطلات الصيفية.
زخم الصادرات يتراجع
شهدت الصادرات الصينية تباطؤاً بعد فترة من الاندفاع لإرسال الشحنات إلى الخارج، استباقاً للتعريفات الأميركية الجديدة. ويتوقع معظم المحللين أن يشهد الاقتصاد الصيني تباطؤاً في الربع الأخير من عام 2025، بعد أن سجّل نمواً بنسبة 5.3% في النصف الأول.
وقالت ميشيل لام، كبيرة الاقتصاديين لشؤون الصين الكبرى في “سوسيتيه جنرال”: “تشير بيانات مديري المشتريات إلى تحسّن طفيف في سبتمبر بعد ضعف الصيف، لكن النظرة المستقبلية تظل معقّدة مع تنامي تأثير الرسوم الجمركية وتراجع أثر حوافز الاستهلاك”.
من ناحية أخرى، أظهرت نتائج مسح خاص من شركة “ريتنغ دوغ” (RatingDog) تحسناً أقوى في أداء القطاع الصناعي، حيث ارتفع مؤشر مديري المشتريات إلى 51.2 نقطة في سبتمبر مقارنة بـ50.5 نقطة في أغسطس. وسجّلت الطلبيات التصديرية الجديدة نمواً للمرة الأولى منذ مارس 2025.
كما ارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات إلى 52.9 نقطة في سبتمبر من 53 نقطة في أغسطس، بحسب نفس الشركة.
ويميل المسح الخاص إلى تسجيل قراءات أقوى من المؤشر الرسمي، نظراً لاختلاف حجم العينة والمناطق المستهدفة وتركيزه على الشركات الصغيرة والمصدّرة.
وقال ياو يو، مؤسس “ريتنغ دوغ”: “رغم أن نمو الطلبيات التصديرية الجديدة كان محدوداً، إلا أنه إشارة إيجابية خفّفت من المخاوف بشأن ضعف الصادرات مؤخراً”.
إنعاش الاقتصاد بنصف مليار يوان
يتزايد التساؤل في الأوساط الاقتصادية حالياً حول ما إذا كانت الحكومة الصينية ستتدخل لتعزيز النمو عبر حوافز جديدة، لا سيما مع استعداد الحزب الشيوعي الحاكم لعقد اجتماع مغلق في أكتوبر المقبل لمراجعة خطط التنمية للسنوات الخمس المقبلة.
وفي خطوة طال انتظارها، أعلنت بكين يوم الإثنين أنها ستوفّر تمويلاً بقيمة 500 مليار يوان (نحو 70 مليار دولار) لدعم الاستثمار، ضمن ما يُعرف بـ”أداة التمويل الجديدة”، في محاولة لتحفيز النمو المتباطئ.
اقرأ المزيد: الصين تضخ 70 مليار دولار لتحفيز الاستثمار ودعم النمو
يواجه الاقتصاد أيضاً ضغوطاً ناتجة عن أزمة سوق العقارات التي بدأت في عام 2021، والتي لا تزال تلقي بظلالها على السوق حتى الآن. فقد واصلت مبيعات المنازل تراجعها في أغسطس، رغم أن أكبر مدينتين في البلاد أطلقتا مزيداً من الحوافز لتحفيز الطلب.
وقال رايموند يونغ، كبير الاقتصاديين في “مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية”: “لا توجد مؤشرات على تعافي سوق العقارات. الوضع اليوم مختلف عما كان عليه في 2019 و2020. التوقعات تغيّرت، والتباطؤ يبدو هيكلياً أكثر من كونه دورياً”.
وأشار تشانغ شو وإريك زو من وحدة بلومبرغ إيكونوميكس إلى إن بيانات مديري المشتريات في سبتمبر جاءت متماشية مع التوقعات، إذ أظهرت استمرار التباطؤ الاقتصادي، وإن كان بوتيرة أخف من أغسطس.
وأضافا: “تحسّن الطقس وعودة الشركات إلى العمل بعد توقف مؤقت خلال عرض عسكري ساهما في تخفيف التراجع في قطاعي التصنيع والبناء. أما الخدمات، فقد واصلت التباطؤ مع نهاية موسم العطلات الصيفية”.
علاقات واشنطن وبكين… ومخاطر قادمة
رغم أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بدت أكثر استقراراً بعد مكالمة هاتفية بين الرئيسين، فإن الهدنة الجمركية المؤقتة البالغة 90 يوماً بين البلدين تنتهي أوائل نوفمبر.
وأعلن دونالد ترمب أنه سيلتقي الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) المقررة في كوريا الجنوبية.
وتضاف إلى التحديات حملة حكومية مستمرة تستهدف الحد من فائض الإنتاج وتقليص المنافسة المفرطة بين الشركات، وهي سياسة اشتدت منذ يوليو، وأسهمت في تراجع إنتاج سلع مثل الصلب.
كما أظهر مسح أجرته “ريتنغ دوغ” أن تكاليف الإنتاج ارتفعت لدى الشركات الصناعية خلال الشهر الماضي، في حين اختارت العديد منها خفض أسعار البيع في ظل ما وصفه المسح بـ”المنافسة الشديدة”.