تتصدر إيران المشهد الدولي هذه الأيام بسبب تصاعد التوترات حول برنامجها النووي وتهديدات العقوبات الأممية القادمة. يأتي ذلك بعد أشهر من التحركات الأوروبية لتفعيل آلية “سناب باك” وإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، وسط مخاوف متزايدة من انهيار اقتصادي محتمل وتصاعد احتجاجات شعبية. كما يشهد الملف النووي الإيراني تداعيات مباشرة على المنطقة، لا سيما في ظل حرب ايران و اسرائيل التي أسفرت عن ضرب منشآت نووية خلال حرب الـ12 يوماً في يونيو الماضي.
العقوبات الدولية: اختبار قاسٍ للنظام الإيراني
مع اقتراب الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من تفعيل آلية “سناب باك”، تواجه إيران تحديات اقتصادية كبرى:
- انهيار متسارع للعملة المحلية.
- تضخم متزايد يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
- ارتفاع معدلات البطالة، مما يفاقم الضغوط على الشارع.
تزامن هذه العقوبات مع تهديدات إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حال إعادة فرض العقوبات. المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أكد أن أي تطبيق للعقوبات يعني نهاية “الخطوات العملية” ضمن اتفاق القاهرة الأخير بين طهران والوكالة.
الاتفاق النووي ومسار دبلوماسي هش
في 10 سبتمبر الجاري، وقع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اتفاقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة لاستئناف التعاون الفني، بما يشمل تفتيش المنشآت النووية. لكن أي إعادة للعقوبات الأممية ستعطل هذه الإجراءات.
- آلية “سناب باك” تتيح إعادة فرض العقوبات تلقائياً دون تصويت في مجلس الأمن، لتجنب استخدام الفيتو من قبل الصين أو روسيا.
- أوروبا حاولت تأجيل العقوبات لمدة تصل إلى ستة أشهر، شرط التزام إيران بالسماح بالمفتشين ومخزون اليورانيوم.
- الرئيس الإيراني أكد أن محاولات الغرب لإيقاف الملف النووي لن تنجح، مشدداً على قدرة بلاده على تطوير منشآت نووية أكبر من نطنز.
دور العراق والتحديات الإقليمية
في ظل الأزمة النووية، يتأثر العراق بشكل مباشر بسبب اعتماده على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء، حيث يمثل الغاز الإيراني ثلث الإنتاج الكهربائي. حاولت بغداد استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران، إلا أن الضغوط الأميركية عطلت الاتفاق، ما أجبر العراق على البحث عن بدائل مثل الغاز الطبيعي المسال من قطر وعمان.
- العراق وقع اتفاقات مع شركات عالمية لتطوير حقول النفط والغاز، منها توتال وبي.بي وشيفرون، لتعويض نقص الغاز الإيراني.
- الإدارة الأميركية شددت سياسة “أقصى الضغوط” على إيران، ما أعاق حلولاً مؤقتة لتأمين الكهرباء العراقية.
التصعيد العسكري والإقليمي
تظل المخاطر العسكرية قائمة، خاصة بعد استهداف إسرائيل منشآت نووية إيرانية خلال حرب الـ12 يوماً، بمساندة أميركية مباشرة على ثلاثة مواقع. إيران أكدت سلمية برنامجها النووي، لكنها تواجه اتهامات دولية بتخصيب اليورانيوم لأكثر من 60%، وهي نسبة تقترب من المستوى المطلوب لصناعة سلاح نووي.
- سحبت إيران مشروع قرار أممي لحظر مهاجمة المنشآت النووية بناءً على ضغوط دولية، لكنها تؤكد على حقها في حماية منشآتها.
- الصين وروسيا دعمتا إيران دبلوماسياً، مؤكدة أن إعادة فرض العقوبات قد تؤدي إلى عواقب كارثية على جهود السلام والدبلوماسية.
الطريق أمام المفاوضات
رغم كل التوترات، تبقى القنوات الدبلوماسية مفتوحة:
- الاجتماع المقبل لوزير الخارجية الإيراني مع نظرائه الأوروبيين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- استعداد الولايات المتحدة لإجراء حوار محدود ومباشر مع إيران قبل أو بعد انتهاء عملية إعادة فرض العقوبات في 27 سبتمبر.
- أوروبا مستعدة لتمديد المهلة إذا سمحت إيران بالمفتشين الدوليين وبدأت محادثات مع واشنطن.
هذه المحاولات تعكس رغبة جميع الأطراف في تجنب مواجهة عسكرية، مع التمسك بمصالحهم النووية والسياسية في المنطقة.
الخلاصة
تقف إيران اليوم عند مفترق طرق حاسم بين الضغوط الدولية المتزايدة، الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، والتحديات الأمنية الإقليمية. في الوقت الذي تسعى فيه القوى الأوروبية والأميركية لإعادة فرض العقوبات وفرض قيود صارمة، تحاول طهران الموازنة بين التصعيد والاحتفاظ بمسار دبلوماسي. بينما تظل المنطقة على أهبة الاستعداد، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستنجح إيران في الصمود أم ستقود العقوبات القادمة إلى انفجار داخلي وإعادة رسم المشهد الإقليمي؟