ما الذي يحرم سام ألتمان النوم؟

في مقابلة حديثة مع المذيع السابق في شبكة “فوكس نيوز” تاكر كارلسون، قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة “أوبن إيه آي”، بنبرة مازحة تحمل قدراً من الجدية، إنه لم “يذق طعم النوم الهنيء منذ إطلاق “تشات جي بي تي” في نوفمبر 2022. إذ تشغله “القرارات الصغيرة جداً” التي تتخذها شركته لكن قد تمس ملايين الأشخاص. وقد جاء تصريحه في ظل تقارير متزايدة عن عواقب مأساوية أحياناً للجوء بعض الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية إلى “تشات جي بي تي” طلباً للمساعدة.

اقرأ أيضاً: سام ألتمان يفتح صندوق “تشات جي بي تي” الأسود

غير أن هذا ليس سوى واحد من الهواجس التي تؤرق ألتمان حين يضع رأسه المرهق على الوسادة. فهناك الكثير مما ينتظر “أوبن إيه آي” خلال ما تبقى من هذا العام وما بعده. وفي حين قد لا يبدو أي من هذه التحديات خطيراً بحد ذاته، لكن تراكمها يثير تساؤلات حول ما إذا كانت التحديات التي ينبغي على الشركة تجاوزها للحفاظ على قدرتها التنافسية أصبحت ثقيلة جداً.

تحول “أوبن إيه آي” لشركة منفعة عامة

أولاً، من حيث الهيكلية، الوقت يضيق أمام “أوبن إيه آي” لاستكمال تحوّلها إلى شركة هادفة للربح. ولا ينبغي أن يُنظر إلى مذكرة التفاهم الأخيرة مع “مايكروسوفت” على أنها إشارة إلى أن انتقال الشركة إلى كيان منفعة عامة قد حُسم، فالمهمة لم تكتمل بعد، رغم أن المهلة النهائية لإنجازها محددة بنهاية العام.

هذا الانفصال الجزئي المنسَّق، حيث يسعى الطرفان إلى تنويع شراكاتهما في مجال الذكاء الاصطناعي وإعادة صياغة اتفاق تقاسم الإيرادات، ليس سوى حلقة في سلسلة مفاوضات دقيقة لإعادة تشكيل هيكل الشركة. كما يتعيّن على “أوبن إيه آي” إقناع السلطات الناظمة في كاليفورنيا وديلاوير بأن هيكلها الجديد لا يتعارض مع قوانين الائتمانات الخيرية، وهي تعقيدات دفعت حسب بعض التقارير عدداً من التنفيذيين إلى التفكير في نقل المقر إلى خارج كاليفورنيا، رغم نفي الشركة لذلك.

وأي إخفاق في حل هذه المعضلة قد يعرّض تمويلاً مشروطاً بقيمة 19 مليار دولار للخطر، فضلاً عن فرص تمويل مستقبلية يصعب تعويضها.

طالع المزيد: “أوبن إيه آي” تتراجع عن خطط التحول لشركة ربحية بعد ضغوط

صفقة “أوراكل” تجعل لاري إليسون الأغنى في العالم

في غضون ذلك، تتصاعد التكاليف التي تتكبدها الشركة. فصفقة “أوبن إيه آي” مع “أوراكل” البالغة قيمتها 300 مليار دولار لتوفير خدمات الحوسبة السحابية على مدى خمس سنوات اعتباراً من 2027، كانت كافية لدفع رئيس مجلس إدارة “أوراكل” لاري إليسون إلى التربع على عرش أغنى أثرياء العالم. لكن “أوراكل” لن تجني هذه الأموال إلا إذا تمكنت “أوبن إيه آي” من تحقيق أهدافها الطموحة جداً فيما خصّ الإيرادات، بالتوازي مع خفض تكاليفها بشكل حاد.

وبحسب موقع “ذي انفورميشن” (The Information)، تتوقع “أوبن إيه آي” بلوغ إيراداتها السنوية 200 مليار دولار بحلول 2030، وهو هدف طموح للغاية مقارنةً بما يُقدَّر بنحو 13 مليار دولار فقط من الإيرادات الإجمالية هذا العام. والسؤال المطروح: كيف ستسد الشركة هذه الفجوة؟ فزيادة عدد المشتركين وحدها لن تكفي، ما يفرض البحث عن نماذج إيرادات بديلة، مثل الإعلانات، لتغطية العجز، وهو رهان محفوف بالشكوك.

وفي هذه الأثناء، ترجّح الشركة أن تنفق ما يصل إلى 115 مليار دولار حتى عام 2029. وعلى عكس منافسيها مثل “جوجل” و”ميتا بلاتفورمز”، لا تملك “أوبن إيه آي” نشاطاً قائماً عالي الربحية يمكن أن يغطي هذه التكاليف. لذا، يبدو أن الإدراج في البورصة سيكون خياراً لا مفر منه لكسب المزيد من الوقت.

افتقار الشركة للشرائح الخاصة ومنصة سحابية

يعتمد جزء أساسي من خطة خفض التكاليف التي تتبناها “أوبن إيه آي” على تطوير شرائح خاصة بها تُضاف إلى تلك التي تشتريها من “إنفيديا”. لكن المشكلة أنها لا تملك هذه الشرائح بعد، فيما يملكها منافسوها. فـ”أمازون” مثلاً تتيح لعملاء خدمات “أمازون ويب سيرفيسز” استخدام شرائح Trainium وInferentia، ومن بينهم منافسة رئيسية لـ”أوبن إيه آي” هي”أنثروبيك”. أما “جوجل”، فتدرس بيع شرائحها لمزوّدي خدمات سحابية آخرين إلى جانب استخدامها على منصتها الخاصة. في المقابل، لا تزال “أوبن إيه آي” في بدايات هذا الطريق، إذ أعلنت مؤخراً عن صفقة بقيمة 10 مليارات دولار مع “برودكوم” (Broadcom) لإنتاج شرائح مخصّصة لها.

اقرأ أيضاً: ما سبب الرهان بمئات المليارات على تقنية ذكاء اصطناعي واحدة؟

لكن حتى لو نجحت في ذلك، تظل هناك معضلة أخرى: “أوبن إيه آي” لا تمتلك منصة حوسبة سحابية خاصة بها. ويُنظر إلى هذا النقص باعتباره نقطة ضعف مهمة مقارنة بالمنصات السحابية الناضجة والمربحة التي تملكها “أمازون” و”جوجل” و”مايكروسوفت”. ولتفادي البقاء مستأجِرة إلى الأبد، أعلنت “أوبن إيه آي” عن مشروع “ستارغيت” بقيمة 500 مليار دولار، الذي كشف عنه ألتمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب في يناير الماضي وسط ضجة إعلامية . غير أن المشروع يواجه بالفعل تأخيرات ومشكلات جوهرية تتعلق بمكان تشييده، وكيفية تمويله، وتأمين مصادر الطاقة اللازمة لتشغيله.

“أوبن إيه آي” تدخل عالم الأجهزة

ومع ذلك، كل شيء وارد في ظل الشعبية الاستثنائية التي يحظى بها “تشات جي بي تي” اليوم. لكن ماذا لو لم يكن بهذه الشعبيىة؟ سبق أن أشرت إلى الفتور الذي رافق إطلاق النموذج الأخير للشركة “جي بي تي-5”. وما يضاعف قلق ألتمان أن “تشات جي بي تي” بات يُنظر إليه في مجال البرمجة –أحد أبرز الاستخدامات الأولى للذكاء الاصطناعي– على أنه أقل كفاءة من منافسه “كلود” من شركة “أنثروبيك”.

أما على صعيد المستهلكين، فقد أعلن ألتمان برفقة خبير التصميم السابق في “أبل” جوني آيف في مايو الماضي عن خططهما لتطوير جهاز يقود العالم إلى ما بعد عصر “الأيفون”. لكن من المستبعد أن تتمكن “أوبن إيه آي” من إتقان صناعة الأجهزة قبل أن تنجح “أبل” في إتقان الذكاء الاصطناعي، خصوصاً أن صانعة “الأيفون” تعمل حالياً مع “جوجل” على تسريع تطوير نسخة أكثر ذكاءً من المساعد الرقمي “سيري”. وكلا الشركتين تملكان حافزاً قوياً لإغلاق الباب أمام أي محاولة من “أوبن إيه آي” للتوسع في أعمالهما الأساسية.

وكانت “جوجل” تلقت دفعة قوية بفضل الحكم القضائي الأخير الذي أتاح لها الاستمرار في دفع مبالغ مقابل الحصول على معاملة تفضيلية لخدماتها على نظام iOS، إلى جانب دمجها العميق لمساعدها “جيميني” ضمن نظام “أندرويد” وهاتف “بيكسل”. ويوم أمس فقط، أعلنت الشركة أنها ستبدأ بدمج “جيميني” مباشرة في متصفح “كروم”، المتصدر بلا منازع لسوق المتصفحات عالمياً.

في المقابل، لا تملك “أوبن إيه آي” متصفحاً خاصاً بها، ما يصعّب على “تشات جي بي تي” الحفاظ على موقعه التنافسي إذا ظلّ حضوره مقتصراً على موقع إلكتروني وتطبيق للهاتف المحمول. وإن كان مستقبل الذكاء الاصطناعي يتجه نحو الأجهزة القابلة للارتداء بدلاً من شاشات الهواتف الذكية، فالتساؤل متى يمكن لـ”أوبن إيه آي” أن تطوّر جهازاً متقدماً وواسع الانتشار يضاهي سماعات “إيربودز” من “أبل”؟

توقعات كبرى من الشركة

يملك موظفو “أوبن إيه آي” فرصة حتى نهاية الشهر الحالي للمشاركة في عملية بيع ثانوية للأسهم تُقيّم الشركة عند مستوى مذهل يبلغ 500 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 200 مليار دولار منذ أغسطس الماضي. ويأتي جزء كبير من هذا التمويل الجديد من “سوفت بنك غروب”، التي يرتبط سجلها الاستثماري بعدد من الرهانات الفاشلة، ما قد يكون مؤشراً مقلقاً . وتبدو أرقام “أوبن إيه آي” منفصلة عن الواقع، لا سيما مع رحيل كثير من الكفاءات التي أسهمت في صنع مكانة الشركة، للالتحاق بمنافسين أو تأسيس شركات جديدة.

اقرأ أيضاً: أسهم “سوفت بنك” تنتعش وسط تفاؤل بالذكاء الاصطناعي وتقدم مشروع “ستارغيت”

ويتضح أكثر فأكثر أن ألتمان استلهم من شريكه السابق الذي أصبح منافساً، إيلون ماسك، الدرس بأن الجمع بين تكنولوجيا واعدة وخطاب خارج كلّ قيد يمكن أن يدفع بالتقييمات إلى مستويات فلكية. لكن التحدي الحقيقي يبقى في كيفية التعامل مع ثقل التوقعات والوفاء بالوعود. لم يشهد العالم رهاناً بحجم “أوبن إيه آي”، لذا من الأفضل أن يجلب أحد علبة “ميلاتونين” لألتمان.

شاركها.