يتطلع العراق على مدار العقود القليلة المقبلة إلى التحرر تدريجياً من الريع النفطي وتحقيق اقتصاد متنوع ومستقر إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التعافي والنهوض وفق ما كشفته “رؤية 2050”.
أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم السبت، خلال حفل إطلاق “رؤية العراق 2050 نحو التنمية والمستقبل” أن البرنامج يستهدف التركيز على تأسيس مجتمع حي منتج واقتصاد تنموي سيادي متنوع ومستدام وحكومة ذكية رشيدة وتموضع إقليمي ودولي متوازن، وجعل الشباب كمحور وهدف بالاعتماد على هيئات متابعة رقمية وآليات تمويل طويلة الأمد بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتعاون الدولي الفعّال.
وقال: “رؤية 2050 رسالة للعالم بأن العراق بدأ ينهض ويستعيد دوره كقوة منتجة وفاعلة نحو السلام والاستقرار والازدهار”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء العراقية.
التحرر من الريع النفطي
أوضح السوداني أن “الحكومة شكلت الفريق الوطني مطلع العام الحالي برئاسة وزارة التخطيط وهيئة المستشارين، والجهات ذات العلاقة للعمل مع معهد “مكنزي” لتطوير رؤية وطنية شاملة، واقتراح برامج وحلول لتنويع الاقتصاد العراقي وإعادة هيكلته، لتقليل الاعتماد على النفط وزيادة مساهمة القطاع الخاص وتحقيق النمو المستدام وتوظيف أولويات خطة التنمية”.
وقال: “نتطلع في العقود المقبلة إلى عراق متحرر من الريع النفطي بنسبة متقدمة، واقتصاد متنوع ومستقر”، مضيفاً “لا يمكن الاعتماد على الوقود الأحفوري كعامل أحادي لقيادة الاقتصاد الوطني”.
السوداني أشار إلى أن رؤية 2050 تعمل على “تفادي الأزمات أو التخفيف من آثارها، والتخطيط الاستباقي للمخاطر المحتملة، لأنّ المؤسسات الدولية غير قادرة على الإيفاء بالاستجابة والحماية”.
العراق يتوقع إيرادات نفطية بقيمة 482 مليار دولار في 5 سنوات
العراق هو ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وعضو بتحالف “أوبك+” الذي قلص تخفيضات إنتاج النفط التي كان ينفذها منذ سنوات بهدف دعم أسواق الطاقة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل صادرات النفط العراقية 84.2 مليار دولار في 2025 انخفاضا من 99.2 مليار دولار في العام الماضي، على أن تتراجع إلى 79.2 مليار دولار في 2026.
وتسعى الحكومة العراقية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، الذي يشكّل أكثر من 90% من إيرادات الدولة، حيث تم اتخاذ خطوات لتعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة، إلى جانب إجراءات لتحسين بيئة الأعمال وتقديم ضمانات للقطاع الخاص بغرض جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتنمية القطاعات.
طريق التنمية بوابة عبور تجارة آسيا إلى أوروبا
كشف رئيس الوزراء العراقي أن الرؤية تستهدف أيضاً أن يكون العراق “بوابة عبور لـ20% من تجارة آسيا إلى أوروبا، عبر مشروع ميناء الفاو وطريق التنمية”، مضيفاً أن مشروع طريق التنمية سيوفر 1.5 مليون وظيفة، ويحقق الاكتفاء الغذائي والمائي والطاقة بنسبة 70% من خلال مبادرات خضراء مستدامة.
“طريق التنمية” -الذي يمتد من ميناء الفاو جنوباً إلى الحدود التركية شمالاً- يُنظر عليه على أنه بمثابة تصور اقتصادي واسع يسعى لوضع العراق في قلب حركة التجارة العالمية، وتحويله من اقتصاد ريعي هش إلى مركز عبور حيوي يربط الشرق بالغرب. ويُوصف المشروع من قبل الحكومة العراقية بأنه “شريان اقتصادي عابر للقارات”، ويشمل إنشاء شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية بطول يتجاوز 1160 كيلومتراً، تبدأ من ميناء الفاو الكبير وصولاً إلى معبر فيشخابور على الحدود مع تركيا، مروراً بـ12 مدينة رئيسية تخدم أكثر من 27 مليون مواطن.
لماذا يعتبر “طريق التنمية” أساسياً للعراق وتركيا؟
المشروع يتضمن طريقاً برياً وسككاً حديدية تقلص زمن الشحن من 33 إلى 15 يوماً، بكلفة تقدر بـ17 مليار دولار، منها 10.5 مليار مخصصة للسكك الحديدية و6.5 مليار للطرق البرية. ويتوقع أن يدر 4 مليارات سنوياً.
ولا تقتصر رهانات بغداد على مشروع “طريق التنمية” كمسار للنقل والعبور، بل تنظر إليه كرافعة اقتصادية لإعادة تشكيل بنية الاقتصاد العراقي. فالممر الممتد من الجنوب إلى الحدود التركية، والذي يربط الخليج بأوروبا، يُعد فرصة حقيقية لتجاوز الاعتماد المفرط على النفط، وبناء اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة.
تعول الحكومة على أن يفتح المشروع آفاقاً جديدة أمام التجارة والاستثمار، ويُنشّط قطاعات النقل والتصنيع والخدمات، إلى جانب تعزيز البنية التحتية والاستقرار المالي.