ألقى فضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، مساء اليوم، كلمة في النَّدوة الدَّوليَّة الحواريَّة الثانية للمجمع بالتعاون مع المركز الدَّولي للحوار بين الأديان بعنوان: (قادة الأديان والشراكة الدوليَّة لضمان السلام والأمن المستدام.. مجمع البحوث الإسلاميَّة والمركز الدَّولي للحوار بين الأديان نموذجًا)، وذلك ضمن القمَّة الثامنة لـ(زعماء الأديان العالميَّة والتقليديَّة)، التي يستضيفها مركز حوار الأديان بالعاصمة الكازاخيَّة (أستانا)، برئاسة الرئيس قاسم جومارت توكاييف، رئيس جمهوريَّة كازاخستان.

وقال الدكتور محمد الجندي في كلمته: إنَّ السَّلام المستدام لا يتحقَّق بالاتفاقيَّات السياسية وحدها؛ وإنما يحتاج إلى ترسيخ القِيَم الدِّينيَّة السَّمحة، مشيرًا إلى أنَّ الأمن الروحي هو الأساس الذي يُبنَى عليه أيُّ استقرار دولي حقيقي، وأنَّ الأزهر الشريف يعمل على ترجمة هذه القيم مِن طروحات نظريَّة إلى مبادرات عمليَّة ملموسة في حياة الناس.

وأوضح الدكتور الجندي أنَّ القادة الدِّينيين المؤثِّرين شركاء حقيقيون في صناعة القرار العالمي، وصوتهم ينبغي أن يكون مسموعًا في المحافل الدولية، مؤكِّدًا أنَّ تحالف الأديان على القِيَم المشتركة هو السبيل لتجفيف منابع التطرُّف ومواجهة القراءات العدوانيَّة التي تُنتج خطاب الكراهية.

وشدَّد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة على أنَّ السلام المستدام يبدأ مِنْ تربية أجيال قادرة على صياغة خطاب يُعلِي مِنْ صوت القلم على صوت الرصاصة، ويزرع في وعي المجتمعات ثقافة التسامح الدِّيني، لافتًا إلى أنَّ كلَّ النصوص الدِّينيَّة تقوم على قاعدة السلام لا الإرهاب، وأنَّ هذه هي المعالجة الحقيقية لصناعة مستقبل آمن للعالَم.

وأشار فضيلته إلى أنَّ التواصل الصَّادق بين قادة الأديان هو الحلُّ المثالي لنزع فتيل الأزمات قبل تفاقمها، وأنَّ (الدبلوماسيَّة الدِّينيَّة) أصبحت ركنًا أساسيًّا لإدارة القضايا الكبرى، مستشهدًا بـ(وثيقة الأخوَّة الإنسانيَّة) كنموذجٍ حيٍّ لهذا التوجُّه.

وأكَّد أنَّ السلام لا يُصنَع بالاتِّفاقات وحدها، بل بالضمائر الحيَّة، وأنَّ الجيوش وحدها لا تحمي الأمن العالمي، وإنما تحرسه القلوب المؤمنة بالعدل؛ وهنا يبرز دور قادة الأديان كصمامِ أمانٍ وكجسرٍ يربط بين الشعوب.

وتابع أنَّ العالَم يمرُّ بأزمات متفاقمة؛ مِنْ حروب دامية وتطرُّف متصاعد، إلى فقر ينهش الشعوب وبيئة تُستنزف بلا رحمة، وكلها تحديات لا تُواجَه بالسياسة والاقتصاد فقط، وإنما تحتاج إلى ضمائر حية تقود البشرية إلى برّ الأمان، داعيًا إلى تأسيس تحالفٍ عالميٍّ للقِيَم يعلو بالإنسانية فوق كل الانتماءات الضيِّقة.

كما دعا فضيلته إلى مراجعة منهج الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيِّب، شيخ الأزهر، في تعزيز قِيَم الحوار والتعايش، مؤكِّدًا أنَّ الأزهر يمدُّ دائمًا يده لبناء شراكات عالميَّة تعزِّز العدالة والتسامح، ويحذِّر مِنَ الانقضاض المستمر على النَّفْس الإنسانيَّة في غزَّةَ وغيرِها من بؤر الصِّراع، بوصف القضيَّة الفِلَسطينيَّة الاختبارَ الحقيقيَّ لضمير العالَم.

ونبَّه الدكتور محمد الجندي إلى أنَّ الفتوى الرشيدة التي تصدر عن المؤسَّسات الرَّسميَّة المختصَّة قادرةٌ على إدارة الخلاف بالحكمة، وسدِّ الأبواب أمام استغلال الذكاء الاصطناعي في نَشْر الفوضى الدِّينيَّة، مشدِّدًا على أنّ غياب الحوار يغذِّي التطرُّف ويؤدِّي إلى الفوضى، وأنَّ الحضاراتِ تتساند ولا تتصادم.

واختتم الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة كلمته بتوجيه عدَّة رسائل أكَّد فيها أنَّ مَنْ يقتل باسم الدِّين قد خان الدِّين، ومَنْ يُقصي الآخر بدعوى الهُويَّة فقد أسقط رسالة السماء، وأنَّ الصَّمت أمام خطاب الكراهية شراكة في الجريمة، لافتًا إلى أنَّ التاريخ سيُنصف القادة الذين وحَّدوا القلوب وصنعوا الأمل، في الوقت الذي سيسجِّل بمداد العار أسماء الذين أشعلوا الفتن وتخلّوا عن مسئوليَّاتهم في صناعة الأمان للعالَم.

شاركها.