في واحدة من أكثر الجلسات هدوءاً خلال السنوات الأخيرة، أغلق سوق الأسهم السعودية تداولاته الأسبوعية على أدنى مستوى للسيولة اليومية منذ ديسمبر 2022، في إشارة جديدة على التراجع المستمر في زخم التداولات.

الرقم المنخفض لا يعكس مجرد تباطؤ مؤقت، بل يأتي ضمن سلسلة من الإشارات المقلقة بشأن شح السيولة منذ بداية العام. هذا التراجع بدأ يثير تساؤلات أوسع، ليس فقط لدى المستثمرين، بل أيضاً في أوساط الشركات التي كانت ترى في السوق قناة رئيسية للتوسع وجمع التمويل.

وفقاً لحسابات “اقتصاد الشرق”، بلغ انخفاض المتوسط اليومي لقيم التداولات منذ بداية سبتمبر نحو 54% مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، ما يعكس تراجعاً حاداً في النشاط، يوازيه انخفاض في ثقة المتعاملين.

منذ مطلع عام 2025، فقدت السوق السعودية تدريجياً جزءاً كبيراً من جاذبيتها الاستثمارية، مع تراجع مؤشرها بنحو 13% حتى الآن، لتُصنف بذلك كثاني أكثر الأسواق العالمية خسارة هذا العام. هذا الأداء الضعيف تزامن مع نتائج مخيبة للتوقعات من معظم الشركات المدرجة، إلى جانب فتور في اهتمام المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

وتشير بيانات السوق، إلى تراجع القيمة السوقية لتعاملات المستثمرين الأفراد السعوديين بنسبة ناهزت 10%، وتراجعت أيضاً قيمة التداولات السوقية للمؤسسات المحلية بنسبة جاوزت 14%، فيما كانت تداولات الخليجيين والأجانب أكثر تماسكاً.









التغير في متوسط حجم التداول اليومي بالسوق السعودية (بالمليار ريال)


الفترة 2025 2024 نسبة التغير
 متوسط أول 7 جلسات من سبتمبر 3.1 6.8 – 54%
أغسطس 4.3 7.6  -43 %
يوليو  4.7 6.33 -26 %
يونيو 5.3 10.6 – 50 %

قنوات استثمارية بديلة للسوق المالية

أرجع إبراهيم النويبت، الرئيس التنفيذي لشركة قيمة المالية، تراجع السيولة إلى أن السوق بات يواجه منافسة حقيقية من أدوات استثمارية بديلة تقدم عوائد جيدة بمخاطر أقل. وأوضح أن “أسواق الدين وأسواق النقد أصبحت أكثر جاذبية للمستثمرين، وهو ما أدى إلى تحول تدريجي في السيولة من سوق الأسهم إلى هذه القنوات”.

من بين القنوات الاستثمارية التي سحبت البساط من تحت أقدام الأسهم خلال الفترة الماضية، خاصة في ظل الضبابية التي كانت مسيطرة على مسار أسعار الفائدة منذ تولي الرئيس الأميركي مقاليد الحكم، الذهب الذي ارتفع منذ بداية العام بنحو 40%. كما أن صناديق المؤشرات المتداولة التي تتبع المعدن الأصفر ما زالت إلى الآن تجذب السيولة من كل اتجاه، إذ سجلت يوم الإثنين أعلى تدفقات يومية على هذه الصناديق منذ قرابة 3 أشهر.

النويبت أشار أيضاً إلى أن أداء الشركات خلال النصف الأول من العام جاء دون التوقعات، بسبب الضغط الذي شكلته أسعار الفائدة المرتفعة على هوامش الربحية. وزاد من تعقيد المشهد غياب المحفزات النقدية، مثل خفض الفائدة الذي كان يُتوقع أن يتم خلال أغسطس الماضي، لكنه لم يحدث، ما جعل السوق في حالة من الجمود والارتباك، إلى جانب انخفاض أسعار النفط بعد رفع الإنتاج من قبل “أوبك بلس”.

إقرأ أيضاً: ما توقعات بيوت الخبرة لأسعار النفط بعد زيادة “أوبك+” الإنتاج مجدداً؟

هذا الجمود تجلى أيضاً في سلوك المستثمرين الأفراد والمؤسسات، إذ أكد المحلل المالي الأول في صحيفة الاقتصادية، أحمد الرشيد، أن قيم التداول المتراجعة تعكس تراجع الإقبال على الأسهم مقابل أدوات الدخل الثابت.

وقال الرشيد، في مقابلة مع قناة “الشرق”، إن “نسبة الودائع الزمنية والادخارية ارتفعت إلى نحو 40% من المعروض النقدي، وهي أعلى مستوياتها منذ عام 2009، وذلك بنهاية شهر يوليو 2025 وفقاً لبيانات البنك المركزي السعودي، مما يعني أن شريحة كبيرة من السيولة قررت الابتعاد عن السوق لصالح أدوات أكثر استقراراً”.

وبين انسحابات الاكتتاب وتراجع التداول، بات واضحاً أن ثقة المستثمرين تمر باختبار صعب. فالأسهم التي كانت في السابق الوجهة الأولى لأي مستثمر يبحث عن النمو، أصبحت اليوم تحت ضغط من كل الاتجاهات، نتائج دون التوقعات، وغياب المحفزات، ضغط الفائدة ، وتقلبات في أسعار النفط بعد رفع الإنتاج من قبل “أوبك بلس”.

تطور حصة المستثمرين حسب الجنسية ونوع المستثمر من قيمة الأسهم المصدرة











نهاية الفترة الأفراد السعوديين المؤسسات السعودية الخليجيين الأجانب
4 سبتمبر 2025 9.69% 84.97% 0.78% 4.55%
 نهاية الربع الثاني 2025 9.84% 84.88% 0.77% 4.51%
 نهاية الربع الأول 2025 9.59% 85.31% 0.75% 4.34%
 نهاية الربع الرابع 2024 9.28% 85.84% 0.74% 4.15%
 نهاية الربع الثالث 2024 9.37% 85.76% 0.77% 4.11%
نهاية الربع الثاني 2024 8.97% 86.32% 0.71% 4.00%

السوق يمر في دورة طبيعية

ورغم جميع هذه المؤشرات، لا يزال بعض المحللين يرون أن ما يحدث يُعد جزءاً من “الدورة الطبيعية للسوق”. وفي هذا السياق، أشار إبراهيم الهندي، الباحث الاقتصادي في مركز أبحاث الأسواق العربية، إلى أن السوق السعودي واجه في السابق ظروفاً مماثلة وتمكن من تجاوزها. وأوضح أن انخفاض السيولة يعود إلى وجود فرص استثمارية أخرى داخل الاقتصاد السعودي تُعد أقل مخاطرة من الاستثمار في سوق الأسهم.

وأضاف الهندي أن السوق في وضعه الحالي يحمل فرصاً على المدى المتوسط والطويل، خاصة في ظل تسجيل معظم الأسواق العالمية لمستويات قياسية، مقابل تراجعات شهدها السوق السعودي. وبين أن مع التصحيح في الأسواق العالمية، لا سيما الأميركية، قد تتجه شريحة كبيرة من السيولة نحو سوق الأسهم السعودية.

ومن الأسباب التي يستند إليها في وصف السوق بالفرصة، توجه عدد من الشركات المدرجة مؤخراً إلى شراء أسهمها، حيث أعلنت تسع شركات في السوق الرئيسية منذ بداية مايو عن عمليات شراء لأسهمها، ووزهي (بنك البلاد، وبوبا العربية للتأمين، وجاهز، والراجحي تكافل، وجمجوم فارما، ودله الصحية، وسيرا، ولجام، وعزم). كما قامت بعض الشركات في السوق الموازية (نمو) بخطوات مماثلة.

شاركها.