سمعتُ مؤخرًا قصةً عن شابةٍ من فلسطين، رأت في منامها رسولَ الله ﷺ في ظلّ ما يجري هناك من عدوانٍ ومجازر. رأت النبيَّ ﷺ وهو يأخذ بيد جماعةٍ من الجرحى والضعفاء، فإذا بلمسته الشريفة يشفيهم، وتستنير وجوههم بالحياة والأمل من جديد.

لقد بدا لي في هذه الرؤيا رسالةٌ عظيمة وعزاءٌ جليل: أن معرفة النبي ﷺ هي الخطوة الأولى إلى فهمه ومحبته. وقد وصفه القرآن الكريم بأروع الأوصاف، ومنها قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة: 128). وهل يكون رسول الرحمة إلا هكذا؟ لقد بشَّرنا النبي ﷺ أنه سيلقانا بعد وفاته، وسيفرح بخيرنا، وهذا من أعظم ما يمدّ قلوبنا بالرجاء.

فالآيات والأحاديث كلها تبشّر بأن معاملتنا في الدنيا والآخرة مرتبطةٌ بالرجاء فيه ﷺ، فلا رجاء أعظم ولا أصدق من الرجاء في رسول الله ﷺ. ومن هنا فإن أساس محبتنا له هو اليقين بأنه يمسك بأيدينا في الدنيا والآخرة. فضعوا آمالكم في رسول الله ﷺ تنجوا، إذ لا شدة ولا ظلم يقع خارج نطاق رحمته وشفاعة نوره.

تأمّلوا كم واجه النبي ﷺ من الشدائد في حياته، وكيف كان كلامه دائمًا بردًا وسلامًا على أصحابه. في الهجرة مثلًا، حين كانوا في الغار يسمعون وقع أقدام العدو وصليل سيوفهم، قال لصاحبه: “لا تحزن إن الله معنا”. تخيّلوا أن هذا الاطمئنان امتدَّ أثره آلاف السنين حتى وصل إلينا نحن الذين نعيش بعده بقرون! وكم من كربٍ أزاحه ﷺ عن أصحابه في حياته وبعد وفاته؛ أحيانًا بكلمة، أو بحضوره المبارك، أو بلمسةٍ شريفة. من أصحاب الدَّين إلى فاقدي البصر، كم من أمةٍ من أممه ﷺ تجاوزت محنًا عظيمة ببركته: من حروبٍ إلى مجاعاتٍ إلى ظلمٍ متتابع. وما زال حضوره ﷺ، المادي والمعنوي، هو سندُ المؤمنين. وهكذا ينبغي لنا أن نواجه آلامنا الفردية والجماعية برجاءٍ ثابتٍ فيه ﷺ.

لقد عاش رسول الله ﷺ ليكون منارةَ رجاءٍ للناس في حياتهم ومماتهم. وفي كل عام يذكّرنا ربيع الأنوار بذلك. فما من زمنٍ مرّ على المؤمنين إلا وفيه محنٌ وابتلاءات، لكنها لم تكن يومًا سببًا لليأس، لأن سندهم الدائم هو نبيُّ الرحمة ﷺ. عبر القرون تغنّى الشعراء والعلماء بأن الرجاء فيه هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة. ومدائح النبي ﷺ ـ من “قصيدة البردة” إلى “المولد الشريف” ـ ما هي إلا تأكيد أن مدحه ﷺ، وذكره، وإنشاد فضائله، وقراءتها والتفكر فيها، يزيدنا قوةً وصبرًا، لا ضعفًا.

إن النبي ﷺ ما زال في كل زمانٍ منارةَ أملٍ لنا جميعًا. لكن الدرس لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل إن مسؤوليتنا أن نحيا كما عاش هو ﷺ، أن نكون نحن أنفسنا مصابيح رجاءٍ للناس من حولنا، لكل متألمٍ ومحتاج، بصرف النظر عن دينه أو جنسه. يجب أن تكون قلوبنا وقرانا ومدننا ومؤسساتنا جُزرَ أمانٍ وأمل، بالعمل والدعاء معًا. أن نرى المتألمين، وأن نمدّ لهم الأيادي.

وباختصار، هناك رسالتان أود أن أذكِّر بها نفسي وإخوتي في مطلع هذا الشهر المبارك، ربيع الأول:الأولى: أن نكون مثل أسلافنا أصحابَ رجاءٍ عظيمٍ في رسول الله ﷺ، مؤمنين بأنه شفيعُنا وملاذُنا، محبّين له بكل قلوبنا.

والثانية: أن ننقل هذا الرجاء إلى من حولنا، فنصير نحن أنفسنا أملًا لغيرنا.

نسأل الله أن يفيض بركة نبيِّه ﷺ ورحمته على كل متألم، في فلسطين وفي سائر بقاع الأرض، وأن يجعلنا جميعًا من أهل الرجاء والنجاة، آمين.

شاركها.