23/8/2025–|آخر تحديث: 11:59 (توقيت مكة)
استهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بإعلانه اختراقا دبلوماسيا في مساعيه لحث موسكو وكييف على الاقتراب من السلام، معلنا أنه بدأ الترتيب لمحادثات مباشرة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
لكن بعد مرور 4 أيام، تضاءل تفاؤل ترامب، بل كاد يتلاشى، خصوصا بعد إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -أمس الجمعة- أن بوتين لن يلتقي زيلينسكي حتى يوافق الأوكرانيون على بعض مطالب موسكو القديمة لإنهاء الصراع.
وتمثل هذه الحال نكسة موجعة للرئيس الجمهوري، الذي كان يروج لجهوده الدبلوماسية المكثفة على أنها أسفرت عن زخم لا جدال فيه للتوصل إلى اتفاق لوقف صراع تعهد -حينما كان مرشحا- بإنهائه في اليوم الأول لتوليه منصبه.
وأعلن ترامب أمس أنه يتوقع اتخاذ قرار بشأن إجراءاته المقبلة خلال أسبوعين إذا لم تعقد محادثات مباشرة. وأشار إلى إمكانية فرض عقوبات أو رسوم جمركية جديدة على روسيا، وهو تهديد سبق أن طرحه، لكنه لم ينفذه.
وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي “سنرى إذا ما كان لديهم اجتماع أم لا. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى. إذا لم يعقدوا اجتماعا، فلماذا لم يعقدوه؟ لأنني طلبت منهم ذلك. لكنني سأعرف ما سأفعله خلال أسبوعين”، وأشاد ترامب بإنجاز لم يكن متوقعا.
تأتي هذه التصريحات بعد أن أعلن ترامب -الاثنين الماضي- أنه بدأ في وضع الترتيبات للقاء بوتين وزيلينسكي بعد وقت قصير من اختتام محادثات البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني والقادة الأوروبيين، إضافة إلى حديثه الهاتفي مع بوتين.
ورحب القادة الأوروبيون بنبرة ترامب في اجتماع البيت الأبيض، عندما قدم وعودا غامضة بدعم الضمانات الأمنية الأوروبية لأوكرانيا ما بعد الحرب.
كما بدا أن ترامب قد خفف من حدة القلق الأوروبي الذي تفاقم بسبب تصريحاته بعد قمة ألاسكا مع بوتين، حين بدا أنه يميل إلى مطلب الزعيم الروسي بأن تتخلى أوكرانيا عن أراض استولت عليها روسيا.
بل إن القادة الأوروبيين أبدوا تفاؤلا حذرا بأن ترامب يحرز تقدما بعد إعلانه عن خططه لإجراء محادثات مباشرة، تليها مفاوضات ثلاثية محتملة يشارك فيها.
لكن تزايدت الشكوك الأيام الأخيرة بشأن التزام بوتين بجهود ترامب لصنع السلام، حيث أبدى المسؤولون الروس اعتراضاتهم على أسس المقترحات الناشئة المطروحة على طاولة المفاوضات.
وقال وزير الخارجية الروسي إن بوتين مستعد للقاء زيلينسكي لمناقشة شروط السلام، “ولكن فقط بعد أن ينهي كبار المسؤولين أولا القضايا الرئيسية”. وقد ينطوي ذلك على عملية تفاوض مطولة نظرا لتباعد وجهات النظر بين الجانبين.
وفي مقابلة مسجلة لبرنامج “لقاء الصحافة” على قناة “إن بي سي”، قال “لا يوجد اجتماع مخطط له”؛ بوتين مستعد للقاء زيلينسكي عندما يكون جدول أعمال القمة جاهزا، وهذا الجدول ليس جاهزا على الإطلاق.
ضمانات وشكوك
و بينما تريد أوكرانيا ضمانات أمنية غربية لردع أي هجوم روسي بعد الحرب، ويسعى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون جاهدين لتقديم مقترحات مفصلة حول كيفية تحقيق ذلك، صرح لافروف -في وقت سابق من هذا الأسبوع- بأن وضع ترتيبات أمنية لأوكرانيا دون مشاركة موسكو أمر لا طائل منه.
في غضون ذلك، قام بوتين أمس الجمعة بزيارة ساروف، وهي مدينة مغلقة تبعد حوالي 370 كيلومترا شرق موسكو، وكانت بمنزلة قاعدة لبرنامج الأسلحة النووية الروسي منذ أواخر الأربعينيات. وقد مثلت الزيارة تذكيرا واضحا بأن روسيا إحدى أهم القوى النووية في العالم.
ويرى نايجل جولد ديفيز، الزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن والسفير البريطاني السابق لدى بيلاروسيا، أن بوتين “لم يعدل موقفه بأي شكل من الأشكال”.
وبينما كان ترامب يروج لخطته لمحادثات السلام، شنت روسيا أول أمس الخميس إحدى أكبر هجماتها الجوية حتى الآن هذا العام، مركزة على غرب أوكرانيا بوابل من 574 طائرة مسيرة و40 صاروخا باليستيا وصاروخا مجنحا.
وصرح زيلينسكي -أمس الجمعة خلال وقوفه إلى جانب مارك روته الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي كان يزور كييف- بأن “الروس يحاولون فعل أي شيء لتجنب اجتماع القمة. والمسألة ليست الاجتماع نفسه، بل أنهم لا يريدون إنهاء الحرب”.
من جهته، قال روته إن ترامب يريد “كسر الجمود” مع بوتين وإشراك الولايات المتحدة في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.
وأوضح روته أن الضمانات الأمنية “قيد المناقشة وسترتكز على مرحلتين الأولى، التي ستنفذ بعد اتفاق سلام أو وقف إطلاق نار طويل الأمد، وستركز على جعل القوات المسلحة الأوكرانية أقوى ما يمكن. أما الثانية، فتشمل التزامات أمنية تقدمها أوروبا والولايات المتحدة”.

“فخ” بوتين
من جانبها، اعتبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس احتمال تنازل أوكرانيا عن أراض لروسيا ضمن اتفاق سلام لإنهاء حربهما المستمرة منذ 3 سنوات “فخا نصبه بوتين”.
وقالت كالاس -أمس الجمعة- إن الزعيم الروسي يطالب بتنازلات أوكرانية مقابل وقف غزو جيشه، لكن تلبية هذه المطالب ستكون مثل مكافأة للدولة التي بدأت القتال، أما الحديث الأخير عن تقديم تنازلات لبوتين، فهو “بالضبط الفخ الذي تريد روسيا أن نقع فيه”.
و في مقابلة مع “بي بي سي”، أوضحت كبيرة الدبلوماسية الأوروبية الفخ الذي تشير إليه بقولها: “أعني، النقاش يدور حول ما يجب على أوكرانيا التخلي عنه، والتنازلات التي ترغب أوكرانيا في تقديمها، بينما ننسى أن روسيا لم تقدم أي تنازل، وأنهم هم المعتدون هنا، وهم من يهاجمون دولة أخرى بوحشية ويقتلون الناس”.
وأضافت كالاس أن “روسيا تتلكأ فقط. ومن الواضح أن روسيا لا تريد السلام. فلطالما ردد الرئيس ترامب مرارا وتكرارا ضرورة وقف القتل، بينما يكتفي بوتين بالسخرية، لا بوقفه، بل بزيادته”.