تشهد منصات التواصل الاجتماعي في المملكة المتحدة منذ مطلع الأسبوع موجة غير مسبوقة من الغضب والانتقادات، استهدفت في بدايتها الجالية الباكستانية، بالتزامن مع احتفالاتها بالذكرى الـ78 ليوم الاستقلال.
مقاطع مصورة حصدت ملايين المشاهدات خلال ساعات قليلة، وتحولت سريعا إلى مادة للتجييش السياسي والإعلامي.
لم تقتصر الحملة على الباكستانيين وحدهم، بل تمددت لتشمل المهاجرين عموما، والمسلمين، ووجدت حسابات يمينية متطرفة، وأخرى مشبوهة، إلى جانب منابر إعلامية وشخصيات رسمية، في منصة “إكس” مساحة مثالية لتأجيج خطاب الكراهية، وتحويله إلى قضية رأي عام تتصدر “التريند” البريطاني.
فريق “الجزيرة تحقق” تتبع مسارات انتشار هذه الرواية، التي روجت – من بين مزاعمها – لادعاء يقول إن “علم إنجلترا أزيل مقابل رفع علم باكستان”، وهي القصة التي صورها مروجوها كدليل على ما أسموه “الغزو الإسلامي” للمملكة المتحدة وعدم احترام المهاجرين لبلدهم المضيف.
إزالة علم بريطانيا
في 14 أغسطس/آب الجاري وبينما كانت باكستان تحتفل بعيد استقلالها الـ78 عن شبه القارة الهندية وتأسيس الدولة عام 1947، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تزعم أن الباكستانيين شاركوا في حملة لإزالة علم المملكة المتحدة من شوارع بريطانيا، مستشهدين بمقاطع فيديو حققت ملايين المشاهدات.
🚨🇬🇧BREAKING NEWS
In response to the ‘Raise the Colours’ campaign by British patriots, Pakistani migrants across the UK have started removing Union Jack flags and raising the Pakistan flag. pic.twitter.com/yomU2mXZ8J
— Radio Europe (@RadioEuropes) August 19, 2025
Outrage across once Great Britain as Local Run Councils continue removing The Union Jack & English Flags whilst continuing to erect Pakistani, Palestine & PRIDE flags everywhere.
These people hate Britain itself. Period. pic.twitter.com/BuTvM5IOc4
— Concerned Citizen (@BGatesIsaPyscho) August 18, 2025
🚨🇬🇧
100.000’den fazla Pakistanlı, Pakistan’ın Bağımsızlık Günü’nü kutlamak için Londra’da yolları kapattı.
Pakistan’ı seviyorlarsa, neden orda değiller?
— Daily Avrupa (@DailyAvrupa) August 15, 2025
رأى بعض الناشطين أن ما وصف بأنه “حملة باكستانية منظمة” لم يأت من فراغ، بل جاء كرد مباشر على حملة أخرى باسم “رفع الألوان”، دعت من خلالها مجموعات بريطانية إلى رفع علم إنجلترا على أعمدة الإنارة وفي الشوارع، ونشرت صورا ومقاطع فيديو توثق ذلك عبر حساباتها على منصتي “فيسبوك” و”إكس”.
وتزامن ذلك مع إطلاق حملة أخرى بعنوان “تمويل الأعلام”، هدفت إلى جمع التبرعات لشراء ورفع أعلام إنجلترا في شوارع مدينة ويتال، مؤكدة – بحسب القائمين عليها – أنها “مبادرة تعبر عن الوطنية والانتماء للبلاد، وليست ممارسة عنصرية”.
🚨 Operation “raising the colours” is underway across the UK.
As councils declare war against St George’s and Union Jack flags, patriots across the country are now placing flags everywhere 🫡
Patriot groups will be out overnight placing more throughout the country, appeasement… pic.twitter.com/Od5kDhyvCi
— James Brian 🇬🇧 ✝️ (@JamesBrian29916) August 16, 2025
Drone footage of some of the flagging operations in York that have been carried out.
Donate here if you like it https://t.co/eFtj2htkUb
Every penny donated will be spent on flags – this is your chance to take action. All invoices will be posted. pic.twitter.com/caMsRdVMcj
— Flag Force UK (@FlagForceUK) August 18, 2025
وفي وقت لاحق، تصاعدت حدة الخطاب على المنصات الرقمية مع انتشار منشورات دعت صراحة إلى أن “يعود الباكستانيون في المملكة المتحدة إلى وطنهم الأم”.
وترافقت هذه الدعوات مع تعليقات متداولة تزعم أن “ولاء هؤلاء الأفراد ليس لبريطانيا، بل لباكستان”، فيما مضى آخرون أبعد من ذلك، واعتبروا الأمر دليلا على ما وصفوه بـ”الغزو الإسلامي” الذي يهدد هوية البلاد.
These are not British people. They’re Pakistani people. Their loyalty is to Pakistan & they’re celebrating independence from the UK. Yet they emigrated to the UK. https://t.co/MPKWafZoW5
— The McGonigal 🇬🇧🇦🇺🇳🇿🇨🇦🇺🇸♿ (@Shazza1uk) August 14, 2025
أجرى فريق “الجزيرة تحقق” بحثا موسعا حول المقاطع التي غذت موجة الانتقادات ضد الباكستانيين، ليتضح أنها لا توثق أي حملة منظمة لإزالة “علم إنجلترا”، كما زعم بعض المستخدمين، بل مجرد لقطات من مراسم تقليدية لاحتفالات يوم الاستقلال في القنصليات الباكستانية بالخارج، حيث يرفع العلم الوطني بشكل دوري في هذه المناسبة.
وباستخدام تقنيات البحث العكسي، وتحديد الموقع عبر خاصية “التجول الافتراضي” في خرائط غوغل، تأكد الفريق أن المقطع الأكثر تداولا صوّر في 14 أغسطس/آب الجاري داخل ساحة قنصلية باكستان بمدينة غلاسكو في أسكتلندا.
كما عززت الصفحة الرسمية لقنصلية باكستان في غلاسكو على “فيسبوك” هذه الرواية، بعدما نشرت مقاطع وصورا من مراسم الاحتفال بالذكرى الـ78 للاستقلال، التي شارك فيها أكثر من 800 شخص، بينهم شخصيات من الجالية الباكستانية وممثلون عن المجتمع المحلي.
هجوم على عمدة برمنغهام
لم تتوقف المزاعم عند الاحتفالات الرسمية، إذ شنت حسابات مشبوهة وأخرى مرتبطة بإسرائيل حملة واسعة ضد عمدة مدينة برمنغهام، زافر إقبال، مدعية أنه شارك في “إزالة علم المملكة المتحدة ورفع علم باكستان” خلال فعاليات الاستقلال، وارتبطت هذه المنشورات بسرديات تحذر من ارتفاع نسبة المسلمين في المدينة، في محاولة لربط المناسبة باصطدام ثقافي وديمغرافي.
Le « Lord Maire » de la deuxième plus grande ville du Royaume-Uni, Birmingham, abaisse le drapeau de l’île et lève le drapeau du Pakistan. Zafar Iqbal est d’origine pakistanaise et a été nommé cette année « Lord Mayor » par le Parti travailliste islamique. Il s’agit d’un poste… pic.twitter.com/bB4jetohmt
— GENGIS KHAN 🇫🇷 🇮🇱 🌿 (@GENGIS9999) August 19, 2025
Welcome to UKstan
— Shaul Boilov (@ShaulBoilov) August 19, 2025
لكن فريق “الجزيرة تحقق” تتبع أصل الفيديو المتداول، وتوصل إلى النسخة الأولى على منصة “تيك توك”، وباستخدام أدوات البحث البصري، تبين أن اللقطات الحقيقية تظهر رفع العلم الباكستاني إلى جانب علم المملكة المتحدة أمام مجلس مدينة برمنغهام، وبمشاركة رسمية من العمدة ذي الأصول الباكستانية، ما يدحض الادعاء بوجود “إزالة” أو استبدال للعلم الوطني.
@saimaharoonofficial1 Traditional 🇵🇰 flag hoisting ceremony outside Birmingham city council to mark the Independence Day celebrations, hosted by the Lord Mayor Cllr Zafar Iqbal and attended by the council general of Pakistan Fahad Amjad, Ayoub Khan MP, local councillors and members of community….. #Pakistan #PakistanZindabad #IndependenceDay #celebration #birmingham
♬ original sound – Saima Haroon

دوافع إضاءة مكتبة برمنغهام
لم يقتصر الهجوم على عمدة المدينة، بل امتد ليطال مجلس مدينة برمنغهام نفسه، بعدما استهدفته حسابات يمينية متطرفة وشخصيات غربية معروفة بعدائها للإسلام، وجاءت الحملة عقب إنزال نحو 200 لافتة وعلم من أعمدة الإنارة في المدينة، الأمر الذي أثار موجة جديدة من الغضب الممزوج بخطاب معادٍ للمهاجرين.
🔴 The Reform UK MP blasted the Labour council’s decisionhttps://t.co/Ha8XZ4Rzyn @christiancalgie @LeeAndersonMP_ #DailyExpress pic.twitter.com/KPaZBPe8vg
— Express Politics (@ExpressPolitics) August 14, 2025
‘If you don’t like our flag, you should leave our country. This is Great Britain, and we can put our flag wherever the heck we want.’@PatrickChristys fumes over councils vowing to take down the Union Jack and St George’s flag from British streets. pic.twitter.com/HRlGIMRfL9
— GB News (@GBNEWS) August 18, 2025
وزاد الجدل بعد أن حصدت تغريدة نشرها الحساب الرسمي لمجلس برمنغهام على منصة “إكس” نحو تسعة ملايين مشاهدة، أعلن فيها المجلس اعتزامه إضاءة مكتبة برمنغهام بألوان الأخضر والأبيض في عشية الذكرى الـ78 لاستقلال باكستان.
Tonight we will be lighting the Library of Birmingham green and white to mark the eve of 77th anniversary of Pakistan’s independence day on the 14th August. pic.twitter.com/7j9UHjNpVr
— Bham City Council (@BhamCityCouncil) August 13, 2025
وسارعت بعض وسائل الإعلام البريطانية إلى الربط بين الواقعتين، عبر عناوين مثيرة للجدل من قبيل: “مجلس مدينة برمنغهام يضيء المكتبة احتفالا باستقلال باكستان لكنه يزيل العلم البريطاني”.
لكن هذه التغطية تجاهلت البيان الرسمي الصادر عن المجلس، الذي أوضح أن إنزال الأعلام جاء ضمن “أعمال الصيانة وتحديث مصابيح الشوارع”، محذرا من أن قيام أفراد بتركيب لافتات غير مصرح بها على أعمدة الإنارة قد يعرض حياتهم وحياة السائقين والمارة للخطر.
Birmingham City Council lights up library to mark Pakistan independence but plans to remove Union Jackshttps://t.co/RhHU6sl18a
— GB News (@GBNEWS) August 14, 2025
في 15 أغسطس/آب الجاري، وبعد يوم واحد فقط من الجدل المثار حول إضاءة مكتبة برمنغهام، رصد فريقنا تغريدة أخرى لمجلس المدينة أعلن فيها إضاءة المكتبة مجددا، لكن هذه المرة بألوان البرتقالي والأخضر والأبيض احتفاء بعشية الذكرى الـ79 لاستقلال الهند، في خطوة تؤكد أن الأمر يندرج ضمن تقليد رسمي متكرر، ما يثير تساؤلات حول دوافع الحملة السابقة وتوقيتها.
Tonight we will be lighting the Library of Birmingham orange, green and white to mark the eve of 79th anniversary of India’s independence day which is celebrated on the 15th August. pic.twitter.com/93JnnyU8Oi
— Bham City Council (@BhamCityCouncil) August 14, 2025
وتتبع الفريق حسابات سفارات ومؤسسات رسمية باكستانية في الخارج، ليتبين أن الاحتفال بيوم الاستقلال من خلال إضاءة معالم بارزة أو رفع العلم الوطني ليس أمرا استثنائيا في بريطانيا وحدها، بل ممارسة شائعة في دول عدة.
Joined community members and colleagues at Brampton City Hall for the flag-raising ceremony marking Pakistan’s 78th Independence Day.
A proud moment to celebrate heritage, unity, and the contributions of Pakistani Canadians.
Happy Pakistan Independence Day! pic.twitter.com/rcKJDQzsok
— Shafqat Ali MP (@shafqatalimp) August 15, 2025
ففي قطر، تزين برج الشعلة في الدوحة بألوان العلم الباكستاني، فيما أضيئت جسور إسطنبول على مضيق البوسفور باللونين الأخضر والأبيض. أما في كندا، فقد احتشد ناشطون في قاعة مدينة برامبتون للاحتفال بالطريقة ذاتها، في مشهد مشابه لما يحدث سنويًا في معظم دول العالم.
Pakistan’s flag displayed on Torch Tower, Doha which has the largest external 360 degree screen in the world. #PakistanIndependenceDay#14Aug2025 pic.twitter.com/Bt3CSpxugQ
— Pakistan Embassy Qatar (@PakinQatar) August 14, 2025
#Istanbul bridges on Bosphorus linking Asia with Europe illuminated in 🇵🇰 flag colours on #PakistanIndependenceDay‼️
Asya’yı Avrupa’ya bağlayan İstanbul köprüleri Pakistan bayrağı renkleriyle ışıklandırıldı ‼️ pic.twitter.com/xct9j7pi4y
— Pakistan Embassy Türkiye (@PakinTurkiye) August 14, 2025
ويحتفل الباكستانيون في 14 أغسطس/آب من كل عام بيوم استقلالهم عن شبه القارة الهندية، مؤسسين بذلك دولة مستقلة تأسست على إثرها عداوة دائمة مع الهند على عدة قضايا، أهمة قضية كشمير.