وأكد المختصون في حديثهم لـ ”اليوم“، تزامنًا مع الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، أن هذه الممارسة الفطرية تساهم في تقوية الروابط العاطفية بين الأم والطفل، وتقلل من خطر الاكتئاب بعد الولادة، وتوفر حماية مناعية ضد العديد من الأمراض المزمنة والمعدية.
تجربة نفسية وصحية متكاملة
ورأت استشارية طب الأسرة وطب نمط الحياة الدكتورة شروق إبراهيم أن الرضاعة الطبيعية تتجاوز كونها وسيلة تغذية لتشكل تجربة نفسية وعاطفية وصحية متكاملة، مشيرة إلى أنها تعزز من إفراز هرمون الأوكسيتوسين، الذي يدعم الارتباط العاطفي ويقلل من التوتر النفسي، ويمنح الأم شعورًا بالرضا والثقة، إلى جانب تعزيز شعور الطفل بالأمان والاستقرار النفسي.
د. شروق إبراهيم
وأضافت أن الرضاعة تسهم في تقليل خطر التهابات الأذن والجهاز التنفسي لدى الرضع، وتقلل احتمالية الإصابة بالسمنة والسكري، فضلًا عن مساهمتها في خفض خطر إصابة الأمهات بسرطان الثدي والمبيض، وتسريع عملية التعافي بعد الولادة.
ولفتت إلى أن من أبرز المعوقات التي تواجه الأمهات: المشكلات الصحية مثل آلام الحلمات والتهاب الثدي، أو صعوبات مرتبطة بالرضيع، كحالة اللسان المربوط أو الولادة المبكرة، فضلًا عن التحديات الاجتماعية والنفسية مثل قلة الدعم أو العودة المبكرة للعمل دون توفير مرافق مناسبة للرضاعة أو سحب الحليب.
وشددت على أهمية دعم الأمهات من خلال التثقيف حول أوضاع الإرضاع، وتوفير مستشارات رضاعة في المراكز الصحية، وتهيئة بيئات العمل والمرافق العامة لتكون صديقة للرضاعة، مؤكدة أن النجاح في ذلك يتطلب تكاملًا بين جهود القطاع الصحي والمجتمع.
ورأت أن الدور الصحي لا يقتصر على المتابعة الطبية، بل يشمل تطبيق مبادرات مثل ”المستشفيات الصديقة للطفل“، التي تُتيح بدء الرضاعة منذ الساعة الأولى بعد الولادة، وهو ما يُعد مؤشرًا على التزام المملكة بصحة الأم والطفل ضمن توجهات منظومة الرعاية الصحية.
ركيزة أساسية لمناعة الطفل
فيما أكدت طبيبة الأطفال الدكتورة أميرة الشمري أن الرضاعة الطبيعية تُعد ركيزة أساسية لبناء مناعة الطفل، مشيرة إلى دورها الكبير في خفض معدلات الأمراض والوفيات، والحماية من العدوى ومتلازمة الموت المفاجئ، إلى جانب دعم النمو العصبي والتطوري للرضيع.

د. أميرة الشمري
ورأت أن التحديات التي تواجه الأمهات خصوصًا في الأسابيع الأولى تتطلب تدخلًا سريعًا، عبر التثقيف المبكر قبل الولادة، والمتابعة الطبية، إلى جانب دعم فني من مختصات الرضاعة، مؤكدة أن كل قطرة من حليب الأم تُشكل فرقًا في حماية الطفل وتعزيز صحته.
ودعت إلى احتضان المرضعات وتسهيل مهمتهن، من خلال توفير أماكن مخصصة للإرضاع في الأماكن العامة، وتمكين الأمهات العاملات من مواصلة الرضاعة ضمن ساعات عمل مرنة، معتبرة أن هذا الدعم ليس رفاهية، بل استثمار طويل الأمد يسهم في تقليل الأعباء الصحية والاقتصادية على المجتمع.
ورأت أن تحسين الوعي العام بحقوق المرضعات، وسَنّ السياسات الداعمة مثل إجازات الرضاعة وإجازات الأمومة، يشكلان ركيزة أساسية لإنجاح جهود التمكين الصحي، داعية إلى تعزيز التثقيف عبر وسائل الإعلام لتصحيح المفاهيم المغلوطة.
وشددت على أن الرضاعة الطبيعية لا ينبغي أن تُختزل في خيار فردي، بل يجب أن تُعامل باعتبارها مسؤولية مجتمعية تتطلب تكاتف الجهود لبناء أجيال أكثر صحة واستقرارًا.
تغلب على التحديات
من جهته أكد استشاري طب الأمومة والحمل العالي الخطورة، د. فراس الخروف، أن الرضاعة الطبيعية توفّر للأم والطفل فوائد صحية جسيمة تمتد على المدى القريب والبعيد، إذ تعزّز مناعة الطفل، وتقلّل من خطر الأمراض المزمنة، وتدعم نموّه العقلي والجسدي، فيما تسهم لدى الأم في تقليل احتمالات الإصابة بسرطان الثدي والمبيض، وتسرّع تعافيها البدني بعد الولادة.

د. فراس الخروف
وأوضح أن كثيرًا من الأمهات قد يواجهن تحديات خلال هذه المرحلة، منها الألم، وقلة إنتاج الحليب، أو ضغوط العمل، إلا أن هذه الصعوبات قابلة للتجاوز من خلال الدعم الطبي المتخصص، والاستشارات المناسبة، وتوفير إجازات أمومة ملائمة.
وأشار الخروف إلى أن دعم الرضاعة الطبيعية لا ينبغي أن يُحمّل الأم وحدها، بل يتطلب مشاركة فاعلة من مقدمي الرعاية الصحية والمجتمع على حد سواء، من خلال توفير المعلومات الدقيقة، وتهيئة بيئة داعمة، وتوفير مرافق صديقة للرضاعة.
وختم قائلاً: “الرضاعة الطبيعية ليست خيارًا فرديًا، بل مسؤولية مجتمعية تُبنى عليها صحة أجيال. فلنوفر الوقت، والفهم، والدعم لكل أم. ولنُعِد بناء ثقافة تقدّر هذا الرابط الطبيعي لما يحمله من نفع صحي، وعاطفي، وإنساني مستدام”.