في ظل تصاعد وتيرة المشروعات الحضرية الكبرى على السواحل المصرية، يبرز مشروع “رأس الحكمة” كواحد من أكثر المخططات العمرانية طموحاً من حيث الحجم والموقع وتنوع المرافق.
المشروع، الذي تطوره شركة “مدن” الإماراتية بالشراكة مع الحكومة المصرية، يسعى إلى إقامة مدينة ساحلية متكاملة على البحر المتوسط، تجمع بين الاستخدامات السكنية والسياحية والتجارية، وتستند إلى بنية تحتية ذكية ومستدامة.
ويأتي المشروع ضمن اتفاق استثماري بين مصر والإمارات، تبلغ قيمته نحو 150 مليار دولار خلال عمر المشروع، وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في فبراير من عام 2024. وحصلت مصر بموجب الاتفاق على 35 مليار دولار، منها 11 ملياراً كانت وديعة لدى البنك المركزي وتنازلت عنها الإمارات، بالإضافة إلى 24 مليار دولار.
كما تحتفظ مصر بنسبة 35% من أرباح المشروع، في شراكة تجمع “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة” مع شركة “القابضة ADQ” الإماراتية.
خطط مصر لتطوير الساحل الشمالي الغربي من العلمين إلى السلوم
تسعى الحكومة إلى تحويل الساحل الشمالي الغربي إلى محور تنموي متعدد الاستخدامات، يستهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي لا يقل عن 12%، وتوطين نحو 5 ملايين نسمة، بالتوازي مع توفير 1.5 مليون فرصة عمل مباشرة، في إطار رؤية تمتد حتى عام 2052، وفق موقع رئاسة الجمهورية.
تشمل الخطط تنفيذ مجموعة من المشروعات العمرانية والاقتصادية، من بينها مدينة العلمين الجديدة، ومدينة رأس الحكمة، ومدينة سيدي عبد الرحمن، ومدينة النجيلة، إلى جانب إنشاء منطقة صناعية متطورة في الحمام، وميناء متعدد الأغراض في منطقة جرجوب، ومدينة أولمبية جنوب مطروح، ومركز للحرف والصناعات اليدوية. كما يجري العمل على تنفيذ محور منخفض القطارة بطول 220 كيلومتراً، وربطه بمحاور عرضية تصل إلى جغبوب وسيوة وأسيوط والفرافرة، ضمن الشبكة القومية للطرق.
وفي مجال النقل، يُخطط لإنشاء مطار دولي في رأس الحكمة ضمن الاتفاق الاستثماري مع الإمارات، بالتوازي مع تنفيذ خط القطار الكهربائي السريع الرابط بين مرسى مطروح والقاهرة والعين السخنة، بطول 660 كيلومتراً، على أن يبدأ التشغيل تدريجياً اعتباراً من هذا العام.
إقرأ أيضاً: مصر تستهدف عقد صفقات استثمارية في الساحل الشمالي والبحر الأحمر خلال 2025
تركّز الخطة التنموية على استصلاح الأراضي في مناطق متعددة، منها المغرة ومنخفض القطارة وسيوة، بإجمالي مستهدف يصل إلى مئات آلاف الأفدنة، اعتماداً على المياه الجوفية ومياه الأمطار، وتحلية مياه البحر. ويجري حالياً استكمال إعادة تشغيل ترعة الحمام لاستزراع 148 ألف فدان، إلى جانب زراعة 150 ألف فدان في المغرة، و50 ألفاً جنوب القطارة، و30 ألفاً في سيوة. كما تتضمن الخطة مشروعات لزراعة نباتات الوقود الحيوي، وإقامة تجمعات زراعية صناعية وسكنية متكاملة.
وتغطي المشروعات السياحية أنماطاً مختلفة، تشمل السياحة الشاطئية على امتداد 400 كيلومتر من غرب الإسكندرية حتى السلوم، والسياحة العلاجية في واحة سيوة، والسياحة البيئية في محميات العميد وسيوة والسلوم، وسياحة السفاري من واحات الصحراء الغربية حتى سيوة. كما يتم استغلال مقومات السياحة الثقافية في متحف العلمين، ومواقع الحرب العالمية الثانية، ومقابر الكومنولث، إلى جانب المعالم الفرعونية في سيوة ومتحف روميل. وتعد هذه المشروعات جزءاً من رؤية متكاملة لتوظيف الموارد الطبيعية والتاريخية في التنمية المستدامة للمنطقة.
مشروع رأس الحكمة.. مدينة شاملة على ساحل المتوسط
يمتد مشروع مدينة “رأس الحكمة” على مساحة 170.8 كيلومتر مربع على الساحل الشمالي الغربي لمصر، ويستهدف استيعاب أكثر من مليوني نسمة من خلال أكثر من 310 آلاف وحدة سكنية. ويضم المشروع واجهة بحرية بطول 44 كيلومتراً، إلى جانب مرافق تعليمية على مساحة 4 ملايين متر مربع، ونحو 50 فندقاً.
يتضمن المشروع مرسى دولياً وثلاثة مراسٍ داخلية ومحطة للرحلات البحرية، بالإضافة إلى ملعب رياضي، وثلاثة ملاعب غولف، ومركز للفروسية. كما يضم منطقة أعمال مركزية ومنطقة حرة تقدم حوافز استثمارية لقطاعات تشمل التكنولوجيا، والخدمات المالية، والطاقة المتجددة.
اقرأ المزيد: مصر والإمارات تدشنان مشروع “رأس الحكمة” باستثمارات مباشرة بقيمة 35 مليار دولار
وادي “يم”: الانطلاقة الأولى
يُعد حي “وادي يمّ” أول منطقة يبدأ تنفيذها في المشروع، ويقع بمحاذاة الشاطئ. يضم الحي وحدات سكنية وفنادق ومرافق ترفيهية من بينها ملعبا غولف، ونادٍ ريفي، ومسرح مفتوح بسعة 10 آلاف مقعد. كما يوفر المشروع شققاً من غرفة إلى أربع غرف نوم، إضافة إلى فلل من خمس وست غرف، مزودة بمرافق خاصة. وتتولى شركة “مدن” الإماراتية تنفيذ المشروع، وهي شركة قابضة مقرها أبوظبي ومدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية.
يعتمد المشروع نموذج المدن الذكية في البنية التحتية والخدمات، بما يشمل أنظمة الطاقة المتجددة والخدمات الرقمية. ويهدف إلى تقديم تجربة معيشية مترابطة ومستدامة، عبر حلول تقنية تعزز كفاءة التنقل والإسكان والخدمات العامة.
تفوق مساحة “رأس الحكمة” إجمالي مساحة مدن شهيرة على الساحل الفرنسي مثل نيس وموناكو وكان، كما أن موقعه القريب من أوروبا وآسيا، يجعل منه المقصد السياحي المميز في المنطقة، بحسب كتيب تعريفي بالمشروع صادر عن شركة “مدن”.
الأسعار بين الأعلى في الساحل الشمالي الغربي
تتنوع أسعار الوحدات السكنية في مشروع “وادي يم” برأس الحكمة الذي أطلقت الشركة مبيعاته هذا الشهر. يبلغ متوسط سعر الشقق الفاخرة المكوّنة من غرفة نوم نحو 20 مليون جنيه (407 آلاف دولار)، إلى 324 مليون جنيه (6.6 مليون دولار) وهي تمثل متوسط أسعار الفلل المكونة من سبعة غرف نوم، وفق ما أعلنت عنه الشركة.
ووفقاً لهذه الأسعار، يعد مشروع رأس الحكمة الأعلى في منطقة الساحل الشمالي الغربي لمصر إلى الآن استناداً إلى بيانات أسعار الشركات من “عقارب ماب” و”ناوي”.
قد يهمك أيضاً: المطورون العقاريون في مصر يواصلون التحوط ويتوقعون ارتفاع الأسعار
“رأس الحكمة” يعطي دفعة قوية لموقع مصر في خارطة الاستثمار العالمي
أظهرت بيانات صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن صفقة مشروع “رأس الحكمة” ساهمت في رفع تصنيف مصر إلى قائمة أكبر عشر دول في العالم من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2024. وبلغت التدفقات إلى السوق المصرية نحو 46.6 مليار دولار، متقدمة على الإمارات التي سجلت 45.6 مليار دولار.
تصدّرت الولايات المتحدة القائمة بإجمالي تدفقات بلغ 278.8 مليار دولار، تلتها سنغافورة، وهونغ كونغ، والصين، ولوكسمبورغ. ويعكس دخول مصر هذه القائمة تأثير الصفقة الإماراتية الكبرى لتطوير مدينة “رأس الحكمة”، التي باتت تمثل أحد أكبر المشاريع الحضرية المشتركة في المنطقة.