توصلت الولايات المتحدة واليابان هذا الأسبوع إلى ما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه أكبر صفقة تجارية في التاريخ.
لكن الغموض الذي يحيط بتفاصيل تعهد طوكيو بإنشاء صندوق استثماري أميركي بقيمة 550 مليار دولار يثير شكوكاً بشأن مدى واقعية اتفاق يُطرح كنموذج محتمل لشركاء تجاريين رئيسيين آخرين.
يُعد الصندوق محوراً أساسياً في الاتفاق الذي أعلنه ترمب، والذي يتضمن فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على السيارات اليابانية وسلع أخرى. ورغم أن موعد بدء تنفيذ الاتفاق وتفاصيله الأساسية لا تزال غير واضحة، حذر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت هذا الأسبوع من أن بلاده ستراقب التنفيذ، وقد ترفع الرسوم إلى 25% إذا لم يكن ترمب راضياً عن النتائج.
رؤى متباينة بين واشنطن وطوكيو
في بعض الأحيان، يبدو أن تصريحات قادة الولايات المتحدة واليابان تعكس اختلافاً جوهرية. أعلن البيت الأبيض أن استثمارات تفوق 550 مليار دولار ستُدار بالكامل تحت إشراف أميركي، في حين أكد ترمب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن 90% من الأرباح ستعود لصالح الولايات المتحدة.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إن بلاده ستقدم مزيجاً من الاستثمارات والقروض وضمانات القروض بحد أقصى 550 مليار دولار.
سيحظى الصندوق بدعم جهات حكومية مثل بنك اليابان للتعاون الدولي (Japan Bank for International Cooperation) وشركة نيبون للتأمين على الصادرات والاستثمار (Nippon Export and Investment Insurance)، وفقاً لما أعلنه ريوسي أكازاوا، كبير المفاوضين اليابانيين بشأن الاتفاق، والذي يتوقع أيضاً مشاركة كيانات من القطاع الخاص.
اقرأ أيضاً: اليابان: الرسوم ليست أداة مناسبة لمعالجة اختلالات التجارة
مع ذلك، لا يزال الغموض يكتنف الجهة التي ستتحمل الجزء الأكبر من تمويل هذا المبلغ، إضافة إلى عدم وضوح الإطار الزمني الذي سيتم خلاله تنفيذ الاستثمارات. ففي السنة المالية 2024، بلغ حجم استثمارات بنك اليابان للتعاون الدولي في أميركا الشمالية نحو 263 مليار ين (1.8 مليار دولار)، أي ما يمثل حوالي 0.3% فقط من الرقم المُعلن حالياً.
وفي مقابلة مع قناة “بلومبرغ” بعد إبرام اتفاق، قال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك إن “اليابانيين سيمولون المشروع ويمنحونه لمشغل، على أن تُقسم الأرباح بنسبة 90% لصالح دافعي الضرائب الأميركيين”، مستشهداً بأمثلة محتملة مثل مصانع الأدوية أو منشآت تصنيع الرقائق الإلكترونية”.
بدوره، يقدم إيشيبا الصندوق كأداة لدعم استثمارات الشركات اليابانية داخل السوق الأميركية، مشدداً على أن المبادرة ستعود بالنفع على كلا الجانبين، مع التركيز على قطاعات تُعد ذات أهمية استراتيجية.
استثمارات قائمة قد تدخل ضمن الصفقة التجارية
تعهدت مجموعة “سوفت بنك” (SoftBank Group) العام الماضي باستثمار 100 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، فيما أعلنت شركة “نيبون ستيل” (Nippon Steel) عن ضخ استثمارات بقيمة 11 مليار دولار في عمليات شركة “يونايتد ستيتس ستيل” (United States Steel) بحلول عام 2028، وذلك عقب استحواذها الشهر الماضي على الشركة التي تتخذ من بيتسبرغ مقراً لها مقابل 14.1 مليار دولار.
والتزمت الشركتان أيضاً بتوفير فرص عمل كبيرة داخل الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحتسب هذه الأرقام ضمن الاتفاق التجاري.
التزامات مالية بلا آليات تنفيذ
قال وزير الخزانة بيسنت: “لقد جاءوا إلينا بفكرة شراكة بين اليابان والولايات المتحدة، تتضمن تقديم أسهم وضمانات ائتمانية وتمويل لمشروعات كبرى داخل الولايات المتحدة”. وأضاف أن التعهد بالاستثمار الأجنبي المباشر يمثل “رأس مال جديد كلياً”.
اقرأ أيضاً: وزير الخزانة الأميركي: انتظروا سيلاً من صفقات الرسوم الجمركية خلال أيام
ذكر بيان البيت الأبيض بشأن الاتفاق التجاري أن اليابان ستشتري أيضاً 100 طائرة من شركة “بوينغ” (Boeing)، بالإضافة إلى معدات دفاعية أميركية تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً. وأوضح أكازاوا أن هذين التعهدين يستندان إلى خطط قائمة بالفعل لكل من شركات الطيران اليابانية والحكومة اليابانية على التوالي.
وقال أكازاوا: “لقد شرحنا للجانب الأميركي دافع اليابان وراء شراء المعدات الدفاعية في إطار جهودنا لتعزيز القدرات الدفاعية، لكن تعزيز الدفاع لم يكن مطروحاً في مفاوضات التجارة والرسوم الجمركية”.
وأعرب أكازاوا عن أمله في دخول خفض الرسوم الجمركية على السيارات حيز التنفيذ في أسرع وقت ممكن، متوقعاً فرض رسوم أوسع بنسبة 15% بدءاً من الأول من أغسطس. وأشار إلى أن الطرفين لم يتطرقا إلى آليات الالتزام أو مراقبة التنفيذ.
وقال أكازاوا للصحفيين في طوكيو عقب عودته إلى اليابان: “سافرت إلى أميركا ثماني مرات، لكنني لا أذكر أننا ناقشنا كيفية تنفيذ الاتفاق، أو كيفية ضمان الالتزام به فعلياً”.