في مؤشر جديد على تفاقم الخلاف بين الولايات المتحدة والمنظمات الأممية، أعلنت واشنطن رسميًا انسحابها من منظمة اليونسكو، في خطوة تعيد إلى الواجهة توترًا قديمًا ظل حاضرًا في علاقة الطرفين. 

وبينما ترجع الإدارة الأمريكية القرار إلى ما تصفه بـ”التحامل المؤسسي”، يرى خبراء أن الانسحاب يحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الإطار الثقافي، ويعكس توجهًا أمريكيًا واضحًا لإعادة رسم علاقتها بالمؤسسات الدولية.

كمال ريان: الانسحاب الأميركي من اليونسكو جزء من سياسة الضغط على القضية الفلسطينية

قال كمال ريان مسؤول الشؤون البرلمانية والرئاسية إن انسحاب الولايات المتحدة مجددًا من منظمة اليونسكو يفضح انحيازها التام لإسرائيل، رغم ادعائها المستمر بأنها تلعب دور الوسيط في القضية الفلسطينية.

وأضاف ريان هذا الانسحاب ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن انسحبت واشنطن من المنظمة عام 2017 في عهد ترامب، ثم عادت إليها خلال ولاية بايدن، وها هي الآن تنسحب مرة أخرى بذريعة انحياز المنظمة ضد إسرائيل، وهي مزاعم لا أساس لها من الصحة.
وأكد أن المواقف التي انتقدت أمريكا بسببها اليونسكو تتسق تمامًا مع قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة، قائلاً: “الحقيقة أن من يخالف هذه القرارات هي الولايات المتحدة، بانحيازها الكامل لإسرائيل، وليس المنظمة الدولية.”

وأوضح ريان أن الولايات المتحدة اعتادت الانسحاب من المنظمات الدولية التي لا تتماشى مع سياساتها أو انحيازاتها، مشيرًا إلى انسحابها سابقًا من منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، واتفاقية باريس للمناخ والأونروا وغيرها.

وقال واشنطن تريد السيطرة على قرارات المنظمات الدولية كما تفعل في مجلس الأمن باستخدام حق الفيتو بشكل متكرر لحماية إسرائيل ومنع إدانتها، وهي تحاول ممارسة هذه الهيمنة حتى على المنظمات التي لا يوجد بها فيتو أصلاً.

وتابع: “انسحاب أمريكا من الأونروا على سبيل المثال، شكل ضغطًا هائلًا على الوكالة وأثر على قدرتها على الاستمرار في تقديم الدعم والإغاثة للفلسطينيين، خاصة مع تقليص التمويل ووقف الرواتب.”

أما بالنسبة لليونسكو، فأكد كمال ريان أن المنظمة لن تتأثر كثيرًا بانسحاب أمريكا هذه المرة، قائلاً: “اليونسكو استعدت مسبقًا لمثل هذه الخطوة منذ الانسحاب السابق، وقللت اعتمادها على التمويل الأمريكي الذي تراجع من 40% إلى نحو 8% فقط”.

وأشار إلى أن اليونسكو نجحت في تنويع مصادر تمويلها وزيادة مساهمات الدول الأخرى، وعلى رأسها الصين، ما يمنحها قدرًا أكبر من الاستقلالية والمرونة، مؤكدًا أن: “الانسحاب الأمريكي لن يغير من مواقف المنظمة، التي ستظل ملتزمة بقرارات الشرعية الدولية، رغم محاولات الضغط الأميركية”.
 

خبيرة سياسية: الخلاف مع اليونسكو يخفي رفضًا أمريكيًا لأية قرارات لا تخدم إسرائيل

قالت جمانة نظمي معيدة بكلية العلوم السياسية جامعة بدر انه لطالما عكست العلاقة بين الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) توترات أوسع تتعلق بالتعاون الدولي، والخلافات الأيديولوجية، وأولويات السياسات الوطنية، قرار الولايات المتحدة الأخير بالانسحاب من اليونسكو أثار جدلاً واسعًا حول دوافعه، وتبعاته المحتملة، وتأثيره الجيوسياسي الأوسع، تهدف هذه الدراسة إلى وضع القرار في سياقه التاريخي، واستعراض سوابقه، والنظر في ردود فعل اليونسكو والدول الأعضاء والجمهور.

واضافت جمانة انسحاب الولايات المتحدة المتوقع من اليونسكو، المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في 31 ديسمبر 2026 وفقًا للمادة الثانية (6) من دستور المنظمة، ليس أمرًا جديدًا، فقد غادرت الولايات المتحدة اليونسكو في ثمانينيات القرن الماضي، معلنةً قلقها من سوء الإدارة المالية وقرارات اعتبرتها متحيزة ضدها، وبعد إصلاحات جذرية داخل المنظمة، عادت الولايات المتحدة للانضمام مجددًا عام 2003، في تحرك يعكس تجدد التفاؤل بالتعاون متعدد الأطراف.

تابعت غير أن الخلافات عادت خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، لا سيما مع قرار اليونسكو باعتبار دولة فلسطين عضوًا كامل العضوية، الأمر الذي اعتبره كثيرون في الولايات المتحدة موقفًا مناهضًا لإسرائيل. هذا الصراع أدى إلى انسحاب جديد، قبل أن تعيد إدارة بايدن النظر بالقرار وتلغي الانسحاب، الأمر الذي يعكس دورة متكررة من الانفصال والعودة.

أوضحت جمانة نظمي أن الولايات المتحدة طرحت قرارها الأخير باعتباره رد فعل على توجهات “عالمية” تتعارض مع سياسة “أميركا أولًا”، تصف إدارة ترامب قرارات اليونسكو بأنها لا تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة، مما يعكس شكوكًا أعمق تجاه المؤسسات الدولية وتأثيرها على السيادة الوطنية.

وقالت يظل الاعتراف بدولة فلسطين حجر الزاوية في الخلاف، حيث يراه البعض موقفًا معاديًا لإسرائيل، في حين يؤكد مسؤولو اليونسكو أنهم يعملون دائمًا للمصلحة المشتركة لكلا الطرفين دون تحيز.

أما بالنسبة لليونسكو فقالت جمانة أعربت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، عن أسفها الشديد لهذا القرار، لكنها أشارت إلى أن المنظمة كانت مستعدة له، وأوضحت أن الأسباب التي قدمتها الولايات المتحدة للانسحاب مماثلة لتلك التي أُثيرت قبل سبع سنوات، رغم التطورات الإيجابية التي شهدتها المنظمة في مجال التوافق والعمل متعدد الأطراف الميداني، وحذرت من أن خسارة هذا الوضع النادر من الإجماع قد تكون مكلفة على الصعيد الدولي.

وأشارت إلى ان على الصعيد المالي، قللت اليونسكو من تأثير انسحاب الولايات المتحدة، معتبرة أن تمويل واشنطن يمثل فقط 8% من ميزانيتها الإجمالية، كما تعزز الدعم الدولي من دول مثل فرنسا، حيث أكد الرئيس إيمانويل ماكرون على تمسك بلاده بالمنظمة.

أما على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، فقد عبر العديد عن قلقهم من تراجع النفوذ العالمي لبلادهم. وصف بعض المعلقين الانسحاب بأنه هبة مريرة تخسر فيها أمريكا “النفوذ الناعم”، وهو تعبير عن تعثر في إدارة البلاد يهدد باستنزاف مكانتها العالمية.

وأختتمت حديثها قائلة تعكس دورات انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو وعودتها المتكررة توترات مستمرة بين المصالح الوطنية وروح التعاون الدولي، ورغم أن الانسحاب قد لا يؤثر ماليًا بشكل كبير على المنظمة، إلا أنه يحمل دلالات رمزية هامة تطرح تساؤلات حول مستقبل العمل الجماعي ودور الولايات المتحدة القيادي في المؤسسات الدولية. ومع تجديد داعمي المنظمة من دول شريكة مثل فرنسا التزامهم، يترقب العالم ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعيد تقييم موقفها قبل أن تصبح تبعات الانسحاب غير قابلة للتعويض.

شاركها.