في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والسعي الدائم نحو جذب الاستثمارات، جاءت مشاركة مصر في منتدى الأعمال للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لعام 2025 لتؤكد على موقعها كمحور اقتصادي إقليمي وشريك استراتيجي للمؤسسات الدولية. الحدث لم يكن فقط مناسبة لعقد لقاءات رفيعة المستوى، بل فرصة لتجديد الالتزام بتعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة في مجالات التنمية المستدامة والتحول الأخضر.
مصر.. شريك استراتيجي للبنك الأوروبي
في تصريح يحمل دلالات كبيرة، قالت أوديل رينو باسو، رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إن مصر تظل واحدة من أهم شركائنا الاستراتيجيين على مستوى العالم. جاء هذا التصريح خلال لقائها بالدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في مقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وخلال اللقاء، كشفت باسو عن حجم الاستثمارات التي ضخها البنك في مصر خلال عام 2024 والتي بلغت 1.5 مليار يورو، أي نحو 86 مليار جنيه مصري، تم توجيهها إلى مشروعات تنموية في قطاعات حيوية، مما يعكس ثقة البنك في الاقتصاد المصري ورغبته في تعزيز هذا التعاون مستقبلًا.
التوسع في دعم التحول الأخضر والطاقة المتجددة
تؤكد تصريحات رئيسة البنك، أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعًا في مجالات التعاون مع مصر، لاسيما في القطاعات المتعلقة بالتحول الأخضر، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، ودعم القطاع الخاص. هذا التوجه ينسجم مع أولويات الدولة المصرية، التي تسعى إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاقتصاد الأخضر.
توطيد العلاقات الاقتصادية مع أوروبا
صرّح الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، بأن مشاركة مصر في هذا المنتدى تعكس أهمية العلاقات المتنامية بين القاهرة والبنك الأوروبي منذ انضمامها إليه في عام 2012. وأوضح أن التعاون بين الطرفين أثمر عن تمويل العديد من المشروعات الحيوية في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، والنقل، والبنية التحتية، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يعزز من فرص مصر في جذب استثمارات إضافية في تلك المجالات الحيوية.
دعم القطاع الخاص والمشاريع الخضراء
وأكد الدكتور الشامي أن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يولي اهتمامًا خاصًا بدعم القطاع الخاص والمشروعات ذات البعد البيئي، في إطار التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر. وتُعد مشاركة مصر في المنتدى فرصة كبيرة لعقد شراكات استراتيجية مع مؤسسات مالية وشركات أوروبية، ما قد يفتح الباب أمام تمويل ميسر ونقل التكنولوجيا والخبرات إلى السوق المصري، خاصة في مجالات البنية التحتية، والطاقة النظيفة، والتكنولوجيا الحديثة.
مشروعات قومية تحت المجهر
وأشار الشامي إلى أن المنتدى يشكل أيضًا فرصة لاستعراض المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تنفذها الحكومة المصرية، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة والمبادرات القومية في القطاعات الزراعية والصناعية. ولفت إلى أن تسليط الضوء على هذه المشروعات يسهم في جذب انتباه المستثمرين الدوليين، ويدفعهم نحو المساهمة في دعم خطط التنمية الاقتصادية لمصر.
مؤشرات نمو واعدة
في تقريره الأخير، توقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن يشهد الاقتصاد المصري نموًا متسارعًا خلال الأعوام المقبلة، حيث يُتوقع أن يرتفع معدل النمو من 2.4٪ في السنة المالية 2024 إلى 3.8٪ في 2025، ليصل إلى 4.4٪ في 2026. كما أوضح التقرير أن النمو بلغ 3.9٪ في النصف الأول من السنة المالية 2025، مقارنة بـ 2.4٪ في الفترة نفسها من العام السابق، ويُعزى هذا التحسن إلى النشاط المتزايد في قطاعات التصنيع، والنقل، والتجارة.
تحسين مناخ الأعمال وتعزيز التنافسية
أوضح الشامي أن البنك الأوروبي يسهم بتمويل مشروعات كبرى تخلق آلاف فرص العمل وتدعم التنافسية الاقتصادية. كما أشار إلى جهود الحكومة المصرية في تنفيذ إصلاحات شاملة تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال، من خلال تحديث التشريعات الاستثمارية، وتسهيل الإجراءات الإدارية، ورفع كفاءة القطاع المالي. واعتبر أن المنتدى يمثل منصة مثالية لاستعراض هذه الإصلاحات أمام المستثمرين الدوليين، مما يعزز الثقة في مستقبل الاقتصاد المصري.
مشاركة مصر في منتدى الأعمال الأوروبي لعام 2025 تُعد خطوة استراتيجية تعزز من حضورها على الساحة الاقتصادية الدولية. وبينما تعمل الدولة على جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة، تبقى مثل هذه المحافل فرصة حقيقية لبناء جسور تعاون جديدة، وتأكيد التزام مصر بالإصلاح والانفتاح الاقتصادي.