رغم ما حققه الإنسان من تقدم مذهل في مجالات النقل والتكنولوجيا، فإن بعض الكائنات التي رافقته على مدار التاريخ لا تزال تستحق لفتة تقدير، ليس فقط لمساهمتها في بناء الحضارة، بل لما تمثله من رمزية للصبر والمثابرة. الحمار، هذا الحيوان الهادئ الذي غالبًا ما يُستهان به، كان وما زال جزءًا لا يتجزأ من حياة ملايين البشر، وخاصة في المناطق الريفية والزراعية. وبينما تتلاشى صورته من المشهد الحديث، بدأت بعض المبادرات تذكّر العالم بقيمته، ومنها “اليوم العالمي للحمار”.

من شريك يومي إلى ذكرى تاريخية

لآلاف السنين، لعب الحمار دورًا محوريًا في حياة الإنسان. تشير الدراسات إلى أن الإنسان بدأ باستخدام الحمار في أعمال النقل والحرث وحتى السفر منذ أكثر من 4000 عام قبل الميلاد. وقد تميّز هذا الحيوان بقدرته الفريدة على التحمل والتنقل في التضاريس الوعرة، ما جعله أكثر تفضيلًا من الثور في كثير من المناطق الجبلية والصحراوية.

لم يكن الحمار مجرد وسيلة نقل، بل كان شريكًا في الزراعة ونقل المياه والطعام، بل وحتى بناء البيوت في العصور التي سبقت الميكنة. ومع كل هذا التاريخ، بقي تقديره هامشيًا، إلى أن قرر بعض الناشطين إنصافه.

“اليوم العالمي للحمار”.. لفتة إنسانية تجاه كائن منسي

في عام 2018، أطلق العالم المتخصص في حيوانات الصحراء “رازق أرك” مبادرة لتخصيص يوم عالمي للحمار، بعدما لاحظ غياب أي احتفاء بهذا الحيوان الذي خدم البشرية لقرون. فأنشأ مجموعة على موقع “فيسبوك” لتوثيق معاناة الحمير حول العالم. وتجاوب الكثيرون مع فكرته، ليقترحوا يوم 8 مايو من كل عام للاحتفال بالحمار.

ورغم أن الأمم المتحدة لم تعتمد هذه المناسبة رسميًا حتى اليوم، إلا أن رقعة الاحتفال بها تتسع عامًا بعد عام، خاصة في الدول النامية التي لا تزال تعتمد على الحمير في بعض المهام اليومية.

حليب الحمار.. أسرار تجميلية من الطبيعة

بعيدًا عن دوره في النقل والزراعة، فإن للحمار إسهامًا غير متوقع في عالم العناية بالبشرة. فقد بدأ يُستخدم حليبه مؤخرًا في صناعة مستحضرات التجميل، خاصة في أوروبا وآسيا، حيث أصبح مكونًا أساسيًا في العديد من المنتجات مثل الصابون والكريمات والمرطبات.

يحتوي حليب الحمير على نسبة عالية من فيتامينات A وD وE، بالإضافة إلى الأحماض الدهنية الأساسية، والأوميغا 3 و6، وهي عناصر تساعد على مكافحة التجاعيد وتجديد خلايا البشرة. ووفقًا لموقع “Pinkvilla”، فإن خصائص حليب الحمير تجعله من أكثر المكونات فعالية في مقاومة الشيخوخة وترطيب الجلد.

في حديث خاص لموقع “صدى البلد”، سلّط حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، الضوء على واقع الحمير في مصر، وأسباب تراجع أعدادها ، والتحديات التي تهدد بقاءه، وطرق حماية هذا الكائن من الزوال.
 

انخفاض مستمر منذ التسعينات

وأكد أبو صدام أن انخفاض أعداد الحمير في مصر ليس وليد اللحظة، بل بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي. وأرجع السبب الرئيسي إلى تراجع الاعتماد على الحمار كوسيلة نقل في القرى والأرياف، خاصة بعد تطور البنية التحتية وتمهيد الطرق، ما جعل من الصعب على الحمار التأقلم مع الطرق الحديثة الممهدة.

وأضاف أن الفلاحين كانوا يعتمدون بشكل كبير على الحمير في التنقل ونقل المحاصيل بسبب وعورة الطرق القديمة، لكن مع توفر وسائل النقل الحديثة، بدأ دور الحمار يتراجع تدريجياً، وبدأ كثير من الفلاحين في التخلص منه بسبب ارتفاع تكاليف رعايته وتغذيته.

ذبح الحمير والتجارة بجلودها

من أبرز الأسباب التي أسهمت في انخفاض أعداد الحمير، وفق ما أوضحه أبو صدام، هو ذبح الحمير بغرض الاستفادة من جلودها التي تُصدَّر إلى بعض الدول، وعلى رأسها الصين، حيث تُستخدم في تصنيع أدوية باهظة الثمن. كما أن بعض الدول الإفريقية تستهلك لحوم الحمير بشكل طبيعي، على عكس الدول الإسلامية التي تحرِّم ذلك.

وأشار إلى أن هناك دولاً قامت بإنشاء مزارع خاصة بالحمير لاستخلاص حليبها، الذي يُستخدم في تصنيع أنواع نادرة وباهظة من الجبن. هذا الاستخدام التجاري للحمار أدى إلى تراجع أعداده عالمياً، مما ينذر بخطر بيئي حقيقي.

خسارة بيئية لا تُعوّض

ورغم أن انخفاض عدد الحمير لا يمثل هذا خسارة اقتصادية فحسب بل رأي أبو صدام أن الأثر البيئي لا يمكن تجاهله. فالحمار يلعب دوراً بيئياً هاماً، إذ يساعد في الحفاظ على التوازن البيئي، ويُعد روثه من أفضل أنواع السماد الطبيعي.

وأضاف: “عندما ينقرض أي حيوان، يشعر العالم بالحزن، ويجب أن نولي الحمار نفس القدر من الاهتمام”، مشيراً إلى أن الحمار ليس غبياً كما تصوره بعض الصور النمطية الخاطئة، بل حيوان ذكي ومفيد وله وظائف بيئية لا يمكن إنكارها.

خطوات مقترحة للحفاظ على الحمير

أبو صدام شدد على أهمية نشر الوعي حول دور الحمير وفوائدها، وضرورة تصحيح الصورة الذهنية السلبية التي تلاحق هذا الحيوان. ودعا إلى منع تصدير جلود الحمير للحد من ظاهرة ذبحها.

دعم المربين وتصدير الحمير الحية

في ختام حديثه، طالب نقيب الفلاحين بدعم مربي الحمير، مشيراً إلى أن أسعارها منخفضة في السوق المحلي، حيث يتراوح سعر الحمار بين 5,000 و15,000 جنيه مصري. بينما يمكن أن يُباع الحمار حياً بأسعار قد تصل إلى 15,000 دولار عند تصديره إلى الخارج، وهو ما يمثل فرصة اقتصادية كبيرة لمصر، إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح.

وأكد على أهمية تدخل جمعيات الرفق بالحيوان لدعم هذا التوجه، ومنع ذبح الحمير العشوائي، حفاظاً على هذا الكائن الذي لطالما كان شريكاً أساسياً في حياة الريف المصري.

كائن بسيط.. يحمل عبء التوازن البيئي

ورغم بساطة هذا الحيوان، إلا أن دوره في حياة الإنسان والطبيعة لا يُستهان به. وربما آن الأوان لأن ننظر إلى الحمار بعين التقدير، لا السخرية، وأن نعمل بجد لحمايته من خطر الانقراض الذي يهدده، حفاظاً على التنوع البيولوجي، واحتراماً لرفيق درب لطالما خدم الإنسان بصمت وتفانٍ.

شاركها.